كنت أظن دائما أن حكاية الجواسيس التقليدية بين الدول بصيغتها القديمة الشبيهة بحكاية رأفت الهجان قد ولى زمانها وانتهى، ذلك لأن التكنولوجيا الحديثة، فى تصورى، قد غيرت فكرة الجاسوس البشرى التقليدى وحولتها لوسائل أكثر فاعلية وأقل عُرضة للكشف، هكذا كنت أتصور الأمر، ولذا فكنت أنظر للأفلام التى تحكى حكايات عن جواسيس فى وقتنا الحاضر بوصفها ما هى إلا حكايات مستلهمة من الماضى حتى لو لجأت إلى شكل حديث فى صياغتها.
قرأت عن الفيلم الأمريكى Red Sparrow أو الطائر الأحمر قبل مشاهدته وعرفت أنه يحكى حكاية عن الجاسوسية بين أمريكا وروسيا، فنظرت للأمر بنفس تصوراتى كما سبق وقلت، ولكن بعد أيام قليلة انفجرت الحرب الدائرة بين لندن وموسكو فى أوائل هذا الشهر حول حادثة تسميم الجاسوس الروسى المزدوج سيرجى سكريبال فى مدينة سالزبورى البريطانية، ووصل الأمر إلى طرد 60 دبلوماسيا روسيا من أمريكا وعشرات منهم من دول أوروبية أخرى، ولذا فعلى أن أعترف بأن كثيرا من تصوراتى وتحليلاتى قد سقطت، فذهبت لأشاهد فيلم الطائر الأحمر بتصور جديد أو بدقيق العبارة تصور واقعى.
الفيلم مأخوذ عن كتاب كتبه جيسون ماثيوس، وهو عميل سابق للمخابرات الأمريكية، وأخرجه فرانسيس لورانس، وبطولة أيقونة سينمائية شابة هى جينفر لورانس أعلى نجمات هوليوود والعالم أجرا.
الفيلم يحكى عن باليرينا تعمل على مسرح البولشوى، وتعيش مع أمها المريضة، ولكنها تتعرض لحادثة على المسرح تتسبب فى كسر قدمها، مما يحرمها من الرقص نهائيا، وبالتوازى مع هذه الأحداث هناك جاسوس أمريكى فى موسكو يواجه موقفا يضطره لأن يكشف نفسه ليحمى عميله الروسى ويهرب عائدا لأمريكا، وهنا يظهر عم البطلة الذى يعمل فى المخابرات الروسية فى منصب رفيع ويطلب منها أن تعمل خدمة لبلادها فى مقابل أن تظل الدولة تنفق على علاج أمها والسكن، أما الخدمة فهى الإيقاع برجل أعمال لتعرف منه معلومات، وتضطر البطلة للرضوخ لعمها، وبالفعل تستدرج الرجل لغرفة نوم فى أحد الفنادق، وهناك يتم قتله وهو بين ذراعيها، ويستدرجها العم إلى الالتحاق بمدرسة خاصة بتعليم الجواسيس، وهى كما قالت عليها البطلة، مدرسة قاسية للدعارة، تقتل كل مشاعر ومخاوف الملتحقين بها، وتكون مهمة البطلة التالية الإيقاع بالجاسوس الأمريكى الذى هرب، ولكنه عاد للمجر ليكون بجوار عميله الروسى، وتتوالى الأحداث ليزيد غضب وكراهية البطلة لعمها ولبلادها التى تحرمها الشعور بالإنسانية وتكشف نفسها للعميل الأمريكى وتقع فى حبه وحب الحرية التى تمثلها بلاده، كما يقول أحد أبطال الفيلم، وتتداخل أحداث كثيرة مع كثير من العنف والجنس الذى لا يشاهده المشاهد المصرى، لأنه بالتأكيد تم حذفه، وينتهى الفيلم بانتقام البطلة من عمها شر انتقام وتتحول لبطلة روسية ولكنها فى الحقيقة جاسوسة لأمريكا.
فيلم الطائر الأحمر يحمل كل وسائل التشويق من أحداث متلاحقة متماسكة لا تترك لك فرصة لتلتقط أنفاسك، واختيار أماكن التصوير، وتفاصيل الحوار، وتألق التمثيل، وبالتأكيد يحمل رسالة تقول بها هوليوود نحن الأذكى والأكثر قدرة على الانتصار حتى لو أن بعض الروس أذكياء فإنهم فى صفنا.
وعودًا على بدء فالواقع والسينما يؤكدان أن التطور التكنولوجى لم يلغِ حكاية الجاسوس التقليدى على عكس تصوراتى، وأن الدب الروسى والكاوبوى الأمريكى أبدا لن تنتهى حروبهما فى الواقع أو على الشاشة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة