مريم عبدالسلام، طالبة مصرية شابة لم تتجاوز الثامنة عشرة، تدرس الهندسة فى مدينة نوتينجهام البريطانية، كانت تتمنى أن تنجح بتفوق وتستكمل دراستها العليا لتحقق أحلامها وأحلام أسرتها، وكانت تخطط لعشرات السنين فى المستقبل، كما كانت تحلم بأن تفيد بلدها عندما تنتهى من دراستها الجامعية والعليا، لكنها أبدا لم تكن تتصور أن نتكلم عنها بصيغة الماضى «كانت».
الزهرة مريم عبدالسلام، تعرضت لاعتداء وحشى من مجموعة من الضباع أثناء عودتها من الجامعة، 20 فبرايرالماضى، كل جريمتها أنها مسلمة ومصرية ومتفوقة ومحبة لبلدها، وتجاهر بهذا الحب عندما تتحدث الضباع عن مصر بالشر، وعلى إثر هذا الاعتداء دخلت العناية المركزة قبل أن تلفظ أنفاسها الطاهرة، متأثرة بمضاعفات الاعتداء والنزيف بالمخ.
ماذا كنا نتوقع بعد هذه الحادثة الوحشية؟ كنا نتوقع من السلطات البريطانية التى ترفع شعار العدالة المطلقة، أن تبادر بإعلان حالة استنفار قصوى للتحقيق فى تلك الجريمة العنصرية البغيضة، خاصة أنها اتخذت إجراءات شديدة الخطورة تجاه روسيا بعد اتهامها بمحاولة اغتيال جاسوس روسى على أراضيها، حتى وصل الأمر إلى طردها 23 دبلوماسيا واتخاذ مجموعة من الإجراءات العقابية ضد موسكو، لكن أيا من ذلك لم يحدث. وكنا نتوقع أن تبادر السلطات البريطانية بدعوة جهات التحقيق المصرية إلى الاطلاع على سير التحقيقات فى الحادث، وفتح تحقيق مصرى بريطانى مشترك إعلانا للشفافية وتقصيا للعدالة، لكن ذلك لم يحدث أيضًا، واتخذت السلطات البريطانية طريق التعتيم على الحادث، بحسب ما أعلنته أسرة مريم، مع تلميحها من وقت إلى آخر، إلا أن الحادث لا يمكن إدراجه ضمن جرائم العنصرية أو الكراهية!
كاميرات المراقبة منتشرة فى موقع حادث الاعتداء على مريم، ورغم مرور قرابة الشهر على الحادث لم تتوصل الشرطة البريطانية إلى المتورطين فى الحادث، وكل ما أفصحت عنه الشرطة أنها أوقفت فتاة فى السابعة عشرة من عمرها يشتبه أنها من بين المتورطين، واستمعت إلى أقوالها ثم أفرجت عنها بكفالة، ورئيس قسم التحقيقات فى شرطة نوتنجهام يناشد المواطنين الذين كانوا موجودين فى موقع وزمن الحادث التواصل معه، والإدلاء بأى تفاصيل أو معلومات يمكن أن تفيد فى إجلاء غموض الحادث، طيب ماذا عما سجلته كاميرات المراقبة؟ ماذا عن الأشخاص الذين ظهروا فى الكاميرات يعتدون على مريم؟ هل من الصعب التوصل إلى هوياتهم؟ هل من المستحيل التحقيق معهم بنزاهة وشفافية وإعلان نتيجة التحقيقات للعالم ولأسرة مريم وللمصريين؟
مريم تعرضت للاعتداء مرتين وللإهمال الجسيم بعد الاعتداء، تعرضت للضرب واللكم بوحشية من مجموعة نساء مدربات فيما يبدو على إيذاء أهدافهن، ومرة أخرى عندما تماسكت بعد الاعتداء، وحاولت الهروب من المعتدين إلى أتوبيس رقم 27، وداخل الأتوبيس تعرضت للاعتداء مرة أخرى، وفى موقع الحادثين سجلت كاميرات المراقبة تفاصيل الاعتداء، وسلم مسؤولو المدينة الشرطة البريطانية تسجيلات كلا الاعتدائين، أما الإهمال الجسيم الذى تعرضت له مريم، فحدث عندما تم نقلها إلى المستشفى وهناك أجروا لها إسعافات سريعة ثم طلبوا منها الذهاب إلى البيت رغم بوادر مرورها بمضاعفات جسيمة، مثل النزيف الداخلى والسكتة الدماغية وهذه أمور لها مقدمات، وعندما عادت بها أسرتها إلى المستشفى فى اليوم التالى كانت الأجهزة الحيوية لدى مريم قد تعرضت لأضرار بالغة، لم تتعاف منها بدخولها غرفة الرعاية المركزة إلى أن توفيت متأثرة بالنزيف الداخلى.
كل ما نطالب به السلطات البريطانية، أن تفتح تحقيقا شفافا حول الحادث، وأن تقدم المتهمين بالاعتداء على مريم للعدالة حتى ينالوا جزاءهم، وأن تشارك جهات التحقيق المصرية فى المعلومات المتوفرة وفى سير التحقيقات، هل هذا كثير من دولة ترفع شعار العدالة المطلقة؟!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة