قرار زيارة شمال سيناء، لم يكن سهلا بالمرة، بل هو قرار مقترن بالقبول بمعايشة الأبطال، بالمخاطر التى يواجهونها، فأنت هناك مراسلا حربيا، مع الجنود، والقادة، والضباط، وضباط الصف، وأيضا أنت مقاتل بكاميرتك وقلمك لتسجيل كل مايدور، لنقله للشعب المصرى، الزيارة إلى سيناء كانت خطوة مرحلية للانتقال من عمل محرر عسكرى إلى معايشة تجربة مراسل حربى على الجبهة.
فى سيناء الحرب على الأرض، الحرب بين أبطال ومقاتلى القوات المسلحة والشرطة المدنية، وبين جماعات اختارت طواعية أن تبيع الوطن وأرادت أن تعيش فى بركة الخيانة، غير عابئين بنفوس تستشهد كل يوم وببيوت تفقد عائلها، لا يقفون دقيقة يتفكرون ويعلمون ان مصر العصية على كل شيئ قبل ذلك، لن تقبل بهم، فهى التى انطلق منها الابطال يحررون العالم من هجمات التتار والحملات الصليبية، وأثبتت بالتجربة أنها الدولة العصية فى التاريخ والجغرافيا، التى واجهت كل محتل وكل غريب عن أفكارها، وظلت محتفظة بشخصيتها وبعاداتها وتقاليدها.
الطريق إلى الشيخ زويد
زيارة إلى سيناء مهمة للغاية أن نتكشف فيها كل شئ، نرى فيها الحقيقة على أرض الواقع، هناك استطعنا أن نرى كل شئ، وإعمالا بأن العين تصدق أولا، فقد استطعنا بكافة الوسائل أن نصدق ونقف على كافة ما يجرى ضمنيا، ففى شمال سيناء رأينا ابطال المدفعية والبحرية والمشاة والقوات الجوية والدفاع الجوى والتدخل السريع والصاعقة والمظلات والمهندسين العسكريين والأطباء والمدنيين وكل الأطياف، بعض منهم قدم خصيصا للمشاركة فى العملية، وكلهم فى نفس واحد " لن نعود قبل أن نحرر الأرض ونطهرها".
أبطالنا بأقدامهم على مسرح العمليات فى شمال سيناء
ربما تكون تلك المرة الأولى، التى تطأ فيها أقدام أبطالنا من رجال القوات المسلحة والشرطة المدنية، أرض سيناء الحبيبة بكل تفاصيلها، جبالها وهضابها، سهولها ووديانها، محاورها وطرقها ومداخلها وخارجها، يعرفون مسرح العمليات، وبعقلية الجندى المصرى، استطاع الأبطال معرفة كل التفاصيل عن أرض كانت بعيدة عنهم لفترة كبيرة، ولأول مرة يمكننا القول أن سيناء عادت لنا فعليا ومصر اليوم فى عيد.
أطفال شمال سيناء يحلمون بمحمد صلاح وعصام الحضرى
هناك فى شمال سيناء، كانت أحلام الاطفال موجودة، قابلنا الأطفال فى حى الزهور، بعد إشاعة فضائيات الإخوان المغرضة، أخبار تفيد استهدافه، التقينا براعم صغار يحلمون بأن يكون بينهم محمد صلاح وعصام الحضرى وضابط الشرطة والجيش والمهندس، وسط أجواء توحى بظروف الحرب، فالحصار مفروض على سيناء بالكامل لقطع كافة اشكال الدعم اللوجستى، وكل أشكال الدعم للجماعات الإرهابية، فى الوقت الذى حرصت فيه القيادة العامة للقوات المسلحة الباسلة، على الدفع بسياراتها المحملة بالسلع الغذائية والتموينية لمواجهة نقص الاحتياجات.
فى نفس الوقت كان الحصار خارجيا مفروضا، حيث تتواصل أعمال المداهمات لتفتيش القرى والمنازل المشتبه فى إيوائها عناصر إرهابية، وهى المداهمات التى تتم وفق معلومات بالغة الدقة من جانب أجهزة المعلومات والاستخبارات، التى تتم لرصد كافة العناصر التكفيرية والإرهابية.
البطولة فى سيناء لا تقف عند أبطال القوات المسلحة والشرطة المدنية، وإن كانت تزداد عندهم لما شاهدوه وعلموه بأنفسهم، لكن البطولة الحقيقية فى أهالى سيناء ممن يتقبلون الوضع الصعب، مع تيقنهم أنها المرحلة الأخيرة فى مواجهة الإرهاب والتطرف، تليها مرحلة البناء والتنمية.
محرر اليوم السابع خلال إحدى المداهمات المستمرة لأوكار العناصر الإرهابية بشمال سيناء
كانت بطولة الاهالى فى حى المساعيد بالعريش، ممثلة فى سيدة عجوزة لديها 70 عاما، يمسك بيدها جندى ليعطيها الحصص الغذائية المقررة للحى، فكانت تدعو لمصر وجيشها بأن ينتصروا على الارهاب، لان علمها من ذاكرتها التى شاهدت مصر تنتصر فى 56 بدعم المقاومة الشعبية، وهى أيضا التى عاصرت المجهود الحربى عقب نكسة 1967 ، وهى من ساندت مصر فى حرب 1973 ومابعدها، تتذكر ذلك جيدا.
بطولات الأسلحة تتكامل لحماية مصر والمصريين
فى دفتر بطولات القوات المسلحة، جسدت الأسلحة المختلفة بطولاتها بطريقتها، فسلاح المدفعية كانت ضرباته الموجعة على أوكار الإرهابيين خارج المدن، ضربات تدك الحصون، وتنسف مخازن الإرهاب والتطرف، قابلنا أحد المقاتلين ، صاحب العين الضيقة وهو يضحك، ويمسك بدفتر إحداثياته، يوجه جنوده للعمل على سرعة تنفيذ الأوامر الواردة من الأرض لتمهيد الأرض، فكل ضربة تقوم بها المدفعية، تمهيد للقوات التمشيط بعد ذلك لحصر نتائجها، كان اللاسلكى فى يده يقول " الله ينور يارجالة، إصابة الهدف بنجاح"، يقول :" اليوم أنا ضابط مدفعية مقاتل وأشارك فى العمليات، تلك الكلمات هى التى سأحفرها على قبرى حينما يحين موعدى".
مع ضربات المدفعية، كانت السماء تتزين بمقاتلات الجيش المصرى، ونسور القوات الجوية، يؤدون مهمتهم بحرفية ومهارة عالية، حيث كانت الضربات الجوية المركزة على أهداف وأوكار العناصر الإرهابية تتوالى، وبينما يتذكر الأبطال فى مخيلتهم الضربات الجوية فى حرب أكتوبر 1973 كانت الرافال والإف 16 الحديثة يؤديان مهامهم بكفاءة ومهارة.
أثناء تنفيذ المدفعية والقوات الجوية مهامهم القتالية، كانت رادارات الدفاع الجوى ترصد الأرض، تحسبا لأى محاولات عدائيات، بل كان من بين فصائل الدفاع الجوى من يقوم بدوره فى التوجيه والضرب لبؤر العناصر الإرهابية، كانت المنظومة منسقة ومتناغمة.
بينما كان هؤلاء يمثلون مثلث سادة المعارك، كانت الأرض لها كادراتها الخاصة فى مكان آخر، حيث تشهد عدة قرى مداهمات للقوات الخاصة المصرية، بأشكالها من رجال التدخل السريع المنشأ حديثا، وقوات مكافحة الإرهاب، والصاعقة، والصاعقة البحرية، والمشاة، حيث كانت الفاتحة بين الأبطال على الثأر للشعب المصرى، ممن حاول أن يجور على أرضه.
وبينما كانت المداهمات تكتسح المبانى المشتبه بها، كان أصحاب خطوات الموت، أبطال المهندسين العسكريين، يمهدون الأرض أمام القوات من العبوات الناسفة، كانت العبوات الناسفة تمثل خطرا كبيرا على تحرك القوات والأفراد، فالإرهابى الجبان يعتمد عليها خوفا من مواجهة القوات بشكل مباشر، لكن أبطال المهندسين ينجحون دائما فى اكتشافها وتدميرها، وبينما يفعلون ذلك، كانت هناك البطولة الكبيرة فى رجال الكمائن الثابتة على الطريق، والتى يعيش فيها أبطال مسئولين عن تأمين الطرق والمحاور ليل نهار، يواجهون العناصر الإرهابية بصدر رحب مقبل على الشهادة، يبغون فقط حماية الوطن والمواطنين.
أما رجال القوات الخاصة البحرية فهم دورهم المشهود، وذلك ضمن تشكيلات القوات البحرية، بحماية السواحل فى مسرح العمليات، بهدف فرض الحصار الكامل على العناصر الإرهابية، وتأمين أجناب القوات، ومنع محاولات تسلل وهروب العناصر الإرهابية من وإلى البحر.
كانت البطولة متجسدة فى كل لحظة وكل خطوة نخطوها، وكان فى كل مشهد هناك قصة تحكى، يمكن تسجيلها فى رواية أو فيلم لتكون منارة لمن يأتى بعدنا، الموت آخر ما يخطر على بال الأبطال، فقط يتذكرونه وهم يحملون نعش زميل لهم، يدفنونه ويعودون لاستكمال مهمتهم، فهم فى حرب، فقط هم من يعلمون خطورتها.
قد تفرض بعض الأحداث الكبرى على بعض من تولى المناصب أن يتعايشوا معها، إلا أن هناك بعض الشخصيات هى التى تفرض على الأحداث وجودها، لما لهم من علم وتقوى ودين وإخلاص، ومن هؤلاء الفريق أول صدقى صبحى، القائد العام للقوات المسلحة، وزير الدفاع والانتاج الحربى، والذى سجل اسمه فى تاريخ العسكرية المصرية كبطل مصرى مقاتل، قادر على حماية وطنه وبلده، جاوره فى مرحلة مابعد 30 يونيو الفريق محمود حجازى، رئيس الأركان السابق، واستكمل المهمة الفريق محمد فريد، ويحسب للفريق محمد فريد كثير من التفاصيل للعملية الشاملة، فهو المكلف من القائد الأعلى للقوات المسلحة، الرئيس عبد الفتاح السيسى، بتطهير سيناء، ومع الوقت أصبحت عبارة "تحيا مصر"، شعار الدولة المصرية فى كل حى وقرى ومدينة.
إعلام الحرب..حينما يكون للجيش سلاح مقاتل بقوة الشئون المعنوية
الشئون المعنوية هى رائدة إعلام الحرب، بجوار دورها الذى فرضته عليها الأحداث الكبرى فى مصر، فتقوم الإدارة بتنظيم الفعاليات القومية الكبرى فى مصر، وتشرف على الإخراج والتنفيذ، وذلك لما اكتسبته من خبرة، فهى أيضا تقوم بدورها الطبيعى المنوط بها، وبحرفية شديدة فى متابعة شئون القوات، ورصد بطولات الأبطال.
فى الرحلة صادفنا بعض ضباط الشئون المعنوية، يعملون على توثيق بطولات رجال أبطال، حتى يراها الشعب المصرى، وكذلك أسرة كل مقاتل وبطل يشارك فى العملية الشاملة، لكن كان الغريب فى الأمر هو المصور الذى يرافقه فى العمل، حسبناه فى بادئ الأمر، أحد ضباط الصف، ممن يعملون بالإدارة، لكن كانت المفاجئة أنه مدنيا، ومع ذلك كان فى اول الصفوف يسجل بكاميرته تفاصيل ما يجرى، وذلك من أجل هدف واحد، أن ينقل بطولات مايحدث إلى الشعب المصرى بأكمله.
البطولة اليومية للجنود فى كل شبر بأرض سيناء
يوميا يمكنك بسهولة تمييز صيحات الجنود والأبطال المسئولين عن خدمات التأمين، بالحديث مع أحدهم، رد بلهجة قاهرية مميزة " يافندم الرصاصة اللى هتصيبك اسمك عليها من المصنع"، ويشاركه جندى صعيدى بشكل آخر للمقولة فيقول " الرصاصة اللى هتصيبك مش هتسمع صوتها"، كان معنى الشهادة فى سبيل الوطن واضح فى كلامهم، يتحدثون عنه بأريحية ولايفكرون فى لحظة أنهم قد يتراجعون خطوة للوراء، فهم يعلمون أن حائط الصد الأول.
رديف واحد تلاتة يوحد الله..زئير الأبطال فى سكون الليل
فى حياة كل جندى تواريخ يعتز بها ، فوقت دخوله مركز التدريب تاريخ يحفظه جيدا، ووقت التحاقه بوحدته الأساسية بعد ذلك أيضا، وكذلك موعد انتهاء خدمته بالقوات المسلحة، فى زيارتنا لسيناء، كان الليل يدوى بصيحات كثيرة، ميزنا بينها " رديف واحد تلاتة يوحد الله"، ففهمنا منها أنها الدفعة المقرر لها الخروج فى اول مارس، فذهبنا لواحد منهم، كان متواجدا ضمن 10 آخرين مفترض خروجهم أول مارس فقال لنا " يابيه انا من منقباد وفى بلدى فيه اتنين استشهدوا فى سيناء، عايزنى أرجع بلدى أقلهم أنا خلصت جيش، ولا اقلهم انا خلصت على الارهاب، انهى اشرف فى نظرك، احنا ناس اتربت على الكرامة والله العظيم".
أجهزة المعلومات.. حينما تساوى المعلومة حياة بطل
أكثر ما يستوقفك فى سيناء، أن الحرب الحقيقية هى حرب المعلومات، فالإرهاب قد يجد بيئة محلية حاضنة لأفكاره، وقد تؤدى بعض الأحداث لدفع بعض المواطنين لعدم الوعى بخطورة الإرهاب، وفى تلك اللحظات يبقى للمعلومة قيمتها، فهى تساوى حياة بطلا أو معدة من القوات المسلحة.
أجهزة المعلومات فى العملية الشاملة لها دور كبير للغاية، فكثير من أعمال المداهمات والضربات الجوية والمدفعية، تعتمد على معلومات استخباراتية مؤكدة ومدققة، تساعد على ضرب ودك أوكار الإرهابيين والتكفيريين.
للمعلومة قيمتها، فهنا الجميع يقدر دور المواطن الشريف الذى يدلى بمعلومات لصالح بلده من أجل صد الجماعات الإرهابية والتكفيرية، يقول بثقة كبيرة، والأجهزة ترصد كل شئ وكل حركة وتتعامل مع الإرهابيين بفكر متطور للغاية، ولا ينقصنا شئ غير مزيد من التعاون من أهالى سيناء.
منسى الذى لن ينسى ..أسطورة إبراهيم الرفاعى تعود من جديد
لم يكن اسم احمد منسى، مجرد اسم يضاف لسجل الشهداء، بل كان حاضرا فى شمال سيناء فى كل شيئ، أحمد منسى الذى رأى فى ابراهيم الرفاعى، قائد المجموعة 39 قتال، أصبح هو نفسه أيقونة للجميع، فمع انتشار نشيد " قالو ايه علينا دول"، كنا فى الكتيبة 103 صاعقة، كتيبة البطل الذى لن ينسى، كان منسى حاضرا فى كل التفاصيل، العساكر يذكرون مواقفه، وأبطال الصاعقة لا ينسون أستاذهم، كان لمنسى شخصية مؤثرة على الجميع، لدرجة تجد الجنود يؤكدون أنهم لن ينسوا أبدا القائد البطل أحمد منسى، موجهين رسالة لأسرته ولحمزة نجله قائلين" أبوك بطل والشعب كله يعلم بطولته، وثأره نأخذه يوميا من العناصر الإرهابية والتكفيرية".
محرر اليوم السابع خلال عمليات المداهمة
مداهمات مستمرة لأوكار العناصر الإرهابية بشمال سيناء
محرر اليوم السابع خلال عمليات المداهمة
مداهمات مستمرة لأوكار العناصر الإرهابية بشمال سيناء
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة