لخصت الحادثة التى وقعت نهار الرابع من مارس الجارى، حين عثرت السلطات البريطانية على الجاسوس الروسى السابق سيرجى سكريبال البالغ من العمر 66 عاما وابنته يوليا البالغة من العمر 33 عاما، فاقدى الوعى على مقعد خارج مركز للتسوق فى مدينة سالزبرى جنوب إنجلترا، قصة صراع يمتد منذ عشرات العقود بين الإمبراطوريتين الروسية والبريطانية.
إطلالة على التاريخ
يخبرنا تاريخ العلاقات الروسية ـ البريطانية القريب والبعيد بأن الصراع هو عنوان التعاطى بين البلدين، فقريبا وتحديدا فى العام 2006 وقعت حادثة اغتيال العميل السابق فى أجهزة الاستخبارات الروسية ألكسندر ليتفينينكو مسمما بمادة البولونيوم 210، والذى لقى مصرعه بعد معاناة دامت لأسابيع، وللمفارقة فقد أيضا وجهت لندن اتهامات شديدة اللهجة لموسكو وصفتها الأخيرة بـ"المهزلة"، مثلما هو الحال الآن.
لو ذهبنا إلى ما هو أبعد من ذلك فقد شهد التاريخ الحديث بالكامل عداء صريحا وعنيفا بين البريطانيين والروس شهد ذروته فى ما يعرف بالحروب الإنجليزية الروسية (1807-1812)، التى جرت وقائعها خلال الحروب النابوليونية، حين أعلن القيصر الروسى ألكسندر الحرب على المملكة المتحدة بعد الهجوم البريطانى على الدنمارك فى سبتمبر 1807 واستمرت تلك الحرب الطاحنة نحو 5 سنوات.
كما كانت إيران إحدى ساحات الصراع الروسى ـ الإيرانى فى القرنين العشرين والتاسع عشر، وبعد الحرب العالمية الأولى واستمر الصراع إلى ما بعد الحرب العالمية الثانية، إذ تدخلت روسيا لمنع الشاه محمد رضا بهلوى من أن يكون حائط صد غربى أمام الطموحات الروسية وساعدت الأكراد على قيام دولتهم "مهاباد"، كما ساعدت الأذربيجانيين على إقامة دولة لهم والانفصال عن الشاهنشاهية.
انفجار الصراع
وشهد الصراع الروسى ـ البريطانى أقصى مؤشره حين قررت الحكومة البريطانية، يوم الأربعاء، طرد 23 دبلوماسيا روسيا من الأراضى البريطانية، إثر اتهامها للحكومة الروسية بمحاولة اغتيال الجاسوس الروسى سكريبال وابنته فى بريطانيا بغاز الأعصاب، وفق بيان أصدرته رئاسة وزراء بريطانيا.
وأضافت رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى، خلال كلمة لها فى جلسة بالبرلمان، إن الدبلوماسيين الروس الذين قررت بريطانيا طردهم هم عملاء استخبارات سريين، وأضافت أن لديهم مهلة أسبوع واحد لمغادرة الأراضى البريطانية، ما يعنى إعلان بريطانى بدخول الصدام مراحل متقدمة، خاصة بعد أن أعلنت كذلك أن الأسرة المالكة لن تحضر فعاليات حفل افتتاح كأس العام المقررة فى موسكو هذا الصيف.
وفى بيان له قال وزير الخارجية البريطانى، بوريس جونسون، إنه فى حال إثبات أن هذا الاعتداء كان "عملاً مباشرًا" من قبل روسيا، فإن ذلك سيكون "انتهاكًا واضحًا لاتفاقية الأسلحة الكيماوية، وخرقاً للقانون الدولى، وتهديداً لأولئك الذين يلتزمون بقواعد النظام الدولى القائم".
البيت الأبيض على الخط
أما الرئيس الأمريكى دونالد ترامب فقد اشتبك فى خط الأزمة، وأكد أن على روسيا تقديم أجوبة لا لبس فيها فى مسألة تسميم جاسوس روسى وابنته، وذلك إثر اتصال هاتفى بين ترامب ورئيسة الحكومة البريطانية تيريزا ماى، أعلنت عنه الإدارة الصحفية بالمكتب البيضاوى.
وأضاف البيان أن ترامب وماى يعتبران أنه لا بد أن تكون هناك عواقب إزاء الذين يستخدمون هذه "الأسلحة المشينة، فى خرق فاضح للأعراف الدولية".
فى حين نفى وزير الخارجية الروسى سيرجى لافروف ادعاءات بريطانيا بتورط روسيا فى تسميم الجاسوس الروسي السابق سيرجي سكريبال وابنته ووصفها بأنها "هراء".
وقال لافروف فى تصريحات للصحفيين، إن روسيا مُنعت من الوصول إلى المادة التى استُخدمت فى تسميم سكريبال، مشيرا إلى أن موسكو لن ترد على التحذير البريطاني حتى يُسمح لها بالوصول إلى تلك المادة.
وعليه يمكن اعتبار أن الجواسيس هم كلمة السر فى الصراع البريطانى ـ الروسى الحالى الممتد منذ مئات السنوات، والذى شهد أعلى نقطة له قبل نحو 12 عاما، ولا أحد يمكنه توقع شكل مستقبل الصراع، ومع ذلك يبدو احتمال التصعيد والذهاب إلى حرب مستبعد لعدم توافر البيئة الخارجية الممهدة لحرب كبرى فى الوقت الراهن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة