أصدرت المملكة العربية السعودية، أمرا ملكيا بتعيين سفير الرياض بالقاهرة، أحمد قطان، وزير دولة لشئون الدول الإفريقية بمرتبة وزير فى وزارة الخارجية؛ ما يعنى دخول السياسة الخارجية السعودية مرحلة جديدة تمثل فيها القارة الإفريقية اتجاها ينطوى على أهمية كبرى، كما يعنى أن قطان سيشكل حلقة جديدة فى سلسلة السياسات السعودية المتصلة التى تستهدف فى المحصلة النهائية الحد من نفوذ طهران فى الملفات الاستراتيجية بالقارة.
كيف نفهم القرار؟
يستحدث هذا المنصب لأول مرة فى وزارة الخارجية السعودية، تؤدى إلى استنتاج بسيط وهو أن الرياض تريد أن تدخل إلى ساحات الصراع الجيوستراتيجية بالقارة لعدد من الأسباب على رأسها تعطيل المشاريع الإيرانية التمددية بقلب القارة وخاصة فى منطقتى الوسط والغرب.
الملك سلمان
اللافت فى القرار أن الرياض استشعرت قلقا عميقا من التغلغل الإيرانى الناعم والبطىء فى أكثر من دولة ذات صفة إستراتيجية فى وسط القارة كما هو الحال فى نيجريا وأوغندا، فضلا عن إقليم غينيا فى أقصى غربى القارة، بما يشمل الوجود الإيرانى فى السنغال وغانا وغينيا وغيرها من الدول التى تقف على حافة الثروة النفطية بعد الاكتشافات الكبرى فى خليج غينيا.
ويبدو واضحا أن المملكة استشعرت القلق من تزايد المد الشيعى الإيرانى بالقارة، مع تقارير تحدثت عن أن رجال الدين الإيرانيين نجحوا فى تحويل عدد من القبائل السنية المسلمة فى نيجيريا إلى المذهب الشيعى الإثنى عشرى، بعد سنوات قضوها مبشرين بمذهبهم بدءا من عهد خاتمى وانتهاء بعهد روحانى.
دلالات استحداث المنصب
عملت المملكة العربية السعودية على تعزيز موقعها كدولة إقليمية كبرى فى الساحة الإفريقية نظرا لارتباط بعض دول القارة ارتباطا وثيقا بالسياسات التى تصدر عن الرياض، منها على سبيل المثال أن عددا من دول القارة أعضاء فى تحالف عاصفة الحزم ثم تحالف إعادة الأمل والتحالف الإسلامى لمحاربة الإرهاب.
الأمير محمد بن سلمان
هذا على المستويين السياسى والعسكرى، وعلى المستوى الاقتصادى ترتبط المملكة العربية السعودية ارتباطا عضويا بعدد من دول القارة وعلى رأسها نيجريا تلك الدولة الإسلامية الكبرى والتى تعد أحد الأعضاء البارزين فى منظمة الأوبك، نظرا لإنتاجها الهائل من النفط، وبالتالى ارتباط اقتصاد المملكة الريعى القائم على أسعار النفط بكل الدول المنتجة للخام الأسود.
ويرى مراقبون أن استحداث منصب وزارى رفيع كهذا، يولى اهتماما بالقارة يعزز تلك النظرة التى ترى فى المقام الشامل، أنها ما تزال بكرا على الصعيدين الاستراتيجى والاقتصادى، وأن الاستثمار فيها بات من أهم الأولويات فى علاقاتها الخارجية تلك التى تعمل على استخلاص المواقف الدولية وتجميعها وتحديبها لمواجهة التحديات الجسام.
لذلك أبرمت الرياض ـ على سبيل المثال وليس الحصر ـ اتفاق تعاون عسكرى وأمنى واقتصادى مع إريتريا لمحاربة الإرهاب والتجارة غير المشروعة والقرصنة فى مياه البحر الأحمر وعدم السماح لأى تدخلات أجنبية فى الشأن اليمنى، وهنا إشارة واضحة إلى القاعدة البحرية العسكرية الإيرانية التى دشنها الرئيس الإيرانى السابق محمود أحمدى نجاد بالتعاون مع الرئيس الإريترى أسياس أفورقى، قبالة السواحل اليمنيةن والتى يستغلها الحرس الثورى لتهريب الأسلحة وقطع الصواريخ الباليستية إلى الحوثيين فى صعدة.
لماذا قطان؟
يعد قطان كلمة السر فى السنوات الاخيرة بالسياسة الخارجية السعودية تجاه أكبر دولة عربية، وهى مصر، تلك التى تنقل فيها بين منصبين بالغى الأهمية، وهما مندوب بلاده الدائم لدى جامعة الدول العربية، ثم جمعه بين منصبى المندوبية والسفير، وفى عهده شهد الوجود السعودى فى القاهرة، طفرة لم يسبق لها مثيل.
الوزير أحمد قطان
وفى تلك الفترة اتخذ قطان من القاهرة حاملة طائرات ثابتة للتنقل إلى الملفات المهمة على المستوى الإستراتيجى لبلاده ونجح فى توثيق صلات عميقة بسفراء القارة الإفريقية، فضلا عن توثيقه علاقات كبرى مع المنظمات المعنية بصناعة القرار فى القارة.
ويشير اختيار قطان وتدرجه فى المناصب الرفيعة إلى أنه رجل موثوق لدى دوائر صناعة القرار العليا فى الرياض، وبالتالى فإن المملكة أرادت من تعيينه فى المنصب المستحدث استثمار فوائض علاقاته بداخل القارة لتحقيق السياسة الجديدة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة