لا نعرف سببًا منطقيًا واحدًا يدفع الحكومة ومؤسسات الدولة إلى إغراق السوق بـ«فراخ مجمدة» استوردتها من البرازيل، وتباع بأسعار رخيصة للغاية فى المجمعات الاستهلاكية، وفى سيارات تجوب الشوارع، وظلت «الفراخ» تتداول أيامًا، وتلقى إقبالًا مذهلًا من المواطنين على الشراء، دون الإعلان المسبق وفى السر، وكأنها ترتكب جريمة أخلاقية مشينة، رغم أنه عمل رائع ومقدر، لكسر أنف احتكار أباطرة الدواجن، الذين أشعلوا نيران الأسعار بشكل غير مبرر!
وساد اللغط، وانتشرت الشائعات انتشار النار فى الهشيم عن مصدر هذه «الفراخ»، واستغلت الجماعات الظلامية الفرصة، وشككت فى صلاحيتها، وأنها سامة وتباع على الأرصفة، والتقط الإعلام المغرض فى الخارج والداخل طرف الخيط، وطرح السؤال: من المسؤول عن شحنات الفراخ هذه؟ وأين الحكومة؟.. وبعد التأكد من أن الناس «مبسوطة»، وكالوا وصلات الإشادة بصلاحية وروعة طعم «الفراخ»، دخل متحدث باسم الحكومة، ممثلة فى وزارة التموين، ليؤكد أن شحنات الفراخ استوردتها الحكومة من البرازيل، وطرحتها فى الأسواق بأسعار رخيصة للغاية، وأكد أن صلاحية الفراخ حتى منتصف مارس المقبل.
اعتراف الحكومة أصابنا بصدمة عنيفة، وتساءلت مثلما تساءل الملايين مثلى: لماذا الإنكار والصمت حول عمل رائع أشاع البهجة والتفاؤل فى نفوس المواطنين، خاصة أن المصريين تسرب لديهم يقين بأن الأسعار التى ترتفع لا تعود للانخفاض؟!
صمت وتنكر الحكومة، وكأنها تتنكر من طفل أنجبته فى الحرام، منح الفرصة للجماعات الظلامية لتوظيف واستثمار مساحات التعتيم المفروضة على مصدر طرح الفراخ المجمدة بالأسواق، وبدأت حملة التشكيك فى صلاحيتها للاستخدام الآدمى، وأنها مجهولة المصدر وفيها سم قاتل، رغم أن الإقبال على شرائها تاريخى، ولم تسجل الصحة، ممثلة فى مستشفياتها ووحداتها المنتشرة فى محافظات مصر المختلفة، حالة تسمم واحدة!
هذا التنكر أشاع حالة الارتباك والتشكيك، وأهدرت الحكومة كعادتها فرصة ذهبية فى استثمار نجاح فكرة طرح الفراخ المجمدة بأسعار مخفضة نالت استحسان المواطنين ، وكأن الحكومة تكره النجاح، وتريد فقط الظهور أمام الشعب بوجهها المكفهر، وقراراتها الصعبة والمريرة التى تزيد من أعباء الناس، بينما عندما تتخذ قرارًا مهمًا يخفف من الأعباء الشديدة عن كاهل المواطنين، تتخذه فى السر، وتتنصل منه، ويضرب الناس أخماسًا فى أسداس، بحثًا عن مصدر القرار، على الأقل لتقديم الشكر له.
تعالوا نتفق على أن الحكومة الحالية ورغم إنجازاتها التى لا يمكن للعيون أن تتخطاها، ولا لأصحاب البصيرة أن يحطوا من حجمها وقدرها، إلا أنها فاشلة بامتياز مع مرتبة الشرف فى التسويق لهذه النجاحات، وتغرق فى تفاصيل رد الفعل، وتستنزف جهودها للتأكيد على أن الفراخ صالحة للاستخدام الآدمى، وليست مجهولة المصدر، ومعلوم نسبها حتى الجد المائة!
وكانت الحكومة فى غنى عن بذل كل هذه الجهود الخارقة فى التبرير، والتأكيد على أن الفراخ رائعة وصحية، لو بادرت بالإعلان منذ البداية أنها ستطرح فراخًا مجمدة وبأسعار مخفضة للغاية، تكون بمثابة المفاجأة للمواطنين، وإغلاق أبواب المزايدات مبكرًا، لكن للأسف جاء الاعتراف متأخرًا للغاية، على لسان وزير التموين والتجارة الداخلية، الدكتور على المصيلحى، فى تصريحات صحفية على هامش افتتاحه أعمال تطوير مصانع إنتاج السكر التابعة لشركة السكر للصناعات التكاملية، بمدينة قوص بمحافظة قنا، عندما أكد أن الدولة كانت تعانى من فجوة فى البروتين خلال الفترة الماضية، وصلت إلى 100 ألف طن، وتم وقتها التعاقد مع اتحاد صناعات الدواجن لتوفير العجز، ووصلت نسبة التوريد 7% فقط، وتوقفوا عن التوريد.
وقال أيضًا: «اتجهت الحكومة إلى التعاقد مع الشركات الأجنبية، واستوردنا 46 ألف طن منذ يناير الماضى، وستنتهى صلاحيتها خلال مارس المقبل، والمتبقى منها 6 آلاف طن، وتم طرحها وتوفيرها للمستهلك بسعر منخفض، وهى سليمة 100%، والضجة التى تشاع بأنها فاسدة سببها أصحاب المصلحة والمتضررون من خفض أسعار الدواجن المجمدة».
اعتراف متأخر ويشيع الإحباط، ويسجل فشلًا جديدًا للحكومة فى كيفية التسويق لقراراتها الناجحة والمهمة التى تخفف عن كاهل المواطنين!
أما فيما يتعلق بصراخ محتكرى تربية وتجارة وتوزيع الدواجن فى مصر، تحت شعار الحفاظ على الصناعة الوطنية، فهو أمر غير مقبول، ولا يمكن للحكومة أن تنصاع لصراخ هؤلاء، فلا يمكن مقايضة المحافظة على مصالح بضعة من الذين تضخمت ثرواتهم من رفع أسعار الدواجن بمصالح 100 مليون مواطن مصرى، يبحث عن دجاجة واحدة وبأسعار مخفضة، بل يجب على الحكومة أن تضرب بيد من حديد على كل المحتكرين للسلع، والتجار الجشعين، الذين تضخمت ثرواتهم من دم فقراء هذا الوطن، وأن دور الحكومة الرئيسى حماية مصالح الشعب، ومناصرته ضد من يعبث بقوته، ويتاجر بآلامه ومعاناته، لأن الشعب المصرى يستحق أن تسانده الحكومة، وترد له الجميل على مساندته لها وتحمله بصبر وجلد نادرين قراراتها الصعبة برفع الأسعار وتحرير بعضها، ضمن برنامج الإصلاح الاقتصادى «المرير»!
ولك الله يا مصر!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة