عبر الكاتب الإيطالى جوليو تشيبوللونى، عن سعادته بتواجده فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، مؤكدًا أنه يعد الحدث الأهم عالميا على مستوى النشر، موجهًا شكره إلى إدارة معرض القاهرة الدولى للكتاب، لاستضافته فى فعالياته.
جاء ذلك خلال استضافة الكاتب الإيطالى جوليو تشيبوللونى، مساء اليوم الأربعاء، ضمن فعاليات اللقاء الفكرى، فى قاعة عبد الرحمن الشرقاوى، فى معرض القاهرة الدولى للكتاب، فى دورته الـ49، وتحدث فى الندوة الدكتو محمود الشيخ، وترجم اللقاء عن اللغة الإيطالية حسين محمود.
ورأى المؤرخ الإيطالي، أن القراءة المتأنية للأحداث المعاصرة تقودنا إلى التفكير فى الأسباب العميقة التى تدعمها وتغذيها، وأحد هذه الأسباب والذى له وزن حاسم، يأتى من الواقع الثقافى لتصور الآخر المختلف عن الجماعة، والذى يستقى من الإرث التاريخى دعمه، وتغذيته.
وأوضح أن كتابه الذى تتم ترجمته الآن، إلى اللغة العربية، يعتمد على قراءة وتصنيف موضوعى لوقائع التسامح والتعايش المتفرقة فى حوالى 40 ألف سجل وثائقى خاص بالبابوية من القرن الحادى عشر وحتى القرن التاسع عشر الميلادي، كما يعتمد أيضًا على المراسلات المباشرة وغير المباشرة مع الأمراء المسلمين.
وقال المؤرخ الإيطالى: إننى بعد 30 عامًا من البحث والدراسة فى السجلات المحفوظة، وصلت إلى خلاصة تقضى بضرورة إيجاد نهج جديد فى التاريخ وعلمه، مشيرًا إلى أنه فى خطابات الباباوات، وعلى سبيل المثال، وكذلك عند مؤرخى الحروب الصليبية، يعزى النجاح إلى تدبير إلهي، ويعزى الفشل إلى ارتكاب الخطايا وعدم إيمان البشر بإرادة الله، وعماد الدين الأصفهاني، لا ينحرف عن هذه التفسيرات للوقائع فى الجدلية الفكرية والممارسة العملية للحرب بين النصارى والمسلمين، فمن المهم أن نذكر أن الكتاب الشهير لعماد الدين نفسه الذى كتبه عن فتح صلاح الدين لسوريا وفلسطين، ينقل حرفيًّا تقارير ورسائل وشهادات ومقتطفات من رسائل سلح بها روايته للأحداث، وهى رسائل مرسلة إلى أبناء الدين الإسلامي.
كما رأى المؤرخ الإيطالى أنه ليس هناك شك أن فى زمن الحروب الصليبية فتح الطريق لعلاقات دبلوماسية وتجارية أكثر كثافة بين الدول الإسلامية والدول المسيحية فى جميع أنحاء البحر الأبيض المتوسط، وفى كتاب القلقشندى الموسوعى وفى أعمال مماثلة، نجد قوائم من الحكام الأوروبيين عقد معهم سلطان مصر علاقات بأسمائهم الصحيحة وألقابهم وتوقيعات موجهة لكل منهم، وهناك أيضًا تلميحات إلى أول تبادل للرسائل أو السفارات.
وأكد المؤرخ الإيطالى أنه يجب على التاريخ الحديث الذى يكتبه مؤخون مسلمون مواجهة ديناميكيات التطور التى تتطلبها العلوم التاريخية الحديثة، مضيفًا: أنا شخصيًا كمؤرخ، وهذا ما أقوله دائمًا لطلابي، أضع نفسى فى خدمة الحقيقة التاريخية، ولا أقتصر على خدمة مصالح الجماعة التى انتمى إليها ثقافيًا، إنه الانفتاح بطريقة شاملة لقراءة مصادر الجماعات الثقافية الأخرى فى الحوادث التاريخية ذاتها، كما هو الحال على سبيل المثال فى الحروب الصليبية والجهاد، سعيًا لخدمة البشرية جمعاء، وهذا هو السبيل الوحيد لتجنب انتشار وتوسيع كتب الكراهية.
وأضاف المؤرخ الإيطالى: بهذا المفهوم، أدركت فرصة المنهجية التاريخية الجديدة، والضرورة الملحة إليها، والتى من شأنها أن تحملنا إلى حقيقة تاريخية مشتركة يمكن تقاسمها مع الآخر، وهذه المنهجية يجب أن تقاس على نوايا مؤرخ وحريته الداخلية، الفرصة لقراءة التاريخ كاملًا وإعادة قراءته كاملًا ومن ثم إعادة كتابته كاملًا، و"سماع الأجراس الأخرى" – تعبير إيطالى أى الأصوات الأخرى – أى الحاجة إلى تبادل المصادر التى تسمح بقراءة كاملة، باختصار يجب أن نقرأ سجلاتنا كأنها "ملفات مفتوحة" أو سجلات يين سجلات أخرى.
وتابع: فى التاريخ ألزمت نفسى أيضًا بالتزام على جبهتين؛ تعميق تاريخ الهوامش بين الثقافات كمكان خصب لرصد تطور البشرية ومراقبة تاريخ المثابرة؛ اللجوء إلى العنف، والحرب بين الانقسامات، والكراهية التى تؤدى إلى ذريعة العدوان بدافع "الداخل والخارج" الثقافي.
وكشف المؤرخ الإيطالى عن توصله إلى حقيقة صادمة، وهى أن قادة مراكز السلطة الدينية (كل دين أو انتماء ديني) يستخدمون المفردات نفسها ويروجون للحرب بنفس الشدة للتعبير على الهيمنة والسيطرة على غير المنتمى لجماعتهم، مشيرًا إلى أن كتابه يهدف -وفقًا للصورة البلاغية – إلى رمى حجر فى مستنقع التاريخ الراكد، مستنقع النظم القديمة التى كانت تعطى ميزة لكتابة التاريخ الذى يخدم مصالح الجماعة التى ينتمى إليها المؤرخ بغض النظر عن تاريخ الأخرين ومدارسهم التاريخية، فى ظل تشرذم وتشتت فى التاريخ المتمثل فى الفروق الجوهرية بين تاريخ الأمم المختلفة.
وأشار المؤرخ الإيطالى إلى أنه يتزايد استغلال التاريخ أسوء استغلال كوسيلة لاقتناص موافقة الأقليات ومأرب أخرى لا تخفى على أحد، حتى يتم طبخ تاريخ مستأنس فى وجبة تتم معالجتها حسب النظام الغذائى أو الحمية التى يسير عليها العميل، مشيرًا إلى أنه لابد من كتابة التاريخ بعد مرور فترة تزيد عن خمسين عامًا، احترامًا لخصوصية الأحياء، فمثلًا عندما تُذكر واقعة معينة فى أكثر من عشرة صحيفة، يجب فى هذه الحالة أن يستقى المؤرخ الواقعة بموضوعية بناءًا على قراءته لكل هذه الصحف، ويضع تفسيرًا مغايرًا.
وأوضح أنه يهتم بالفترة التاريخية الخاصة بالحروب الصليبية ومقاومة المسلمين لها، لأنه يتضمن جزئًا إنسانيًا فبعد فحص المصادر الغربية والشرقية، توصلت أنه يجرى استخدام الأديان كذريعة لشن الحروب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة