علاء عبد الهادى

فى مواجهة التطرف.. من «أبو الأرواح» إلى مسجد الروضة

الأحد، 04 فبراير 2018 10:00 م

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
ليس من قبيل المصادفة أن تشترك مكتبة الإسكندرية مع معرض القاهرة الدولى للكتاب فى مناقشة ربما نفس الموضوع، وربما نفس المحاور، رغم نفى القائمين على النشاط الثقافى فى كلا المكانين ذلك.
 
اختارت مكتبة الإسكندرية عنوان الأدب والفن فى مواجهة التطرف، وهو عنوان يتماهى بصورة أو بأخرى مع محاولات استعادة دور القوى الناعمة المصرية ممثلة فى الثقافة والفنون.
 
لا حديث فى العالم الآن إلا عن الإرهاب، والتطرف، وباعتبارنا الملعب الذى تجرى على أرضه كل أشكال التطرف والعنف والإرهاب، بمعنى آخر نحن العرب أصبحنا حاضرين وبقوة على المشهد الدولى باعتبارنا المصدر لكل ما يعانيه العالم من ويلات الإرهاب والتطرف، واكتملت الصورة بربط ذلك بالإسلام للأسف الشديد.
 
فى بداية السبعينيات استشرف الأديب الجزائرى المبدع الطاهر وطار المستقبل الذى تسير إليه المنطقة العربية سواء بفعل فاعل أو تغييبنا بفعل الآخر، وخط وطار روايته المبدعة «الزلزال» التى تنبأ فيها باجتياح طوفان الإرهاب باسم الدين للمنطقة.. وبين كيف يمكن أن يتحول الشيخ عبدالمجيد أبوالأرواح، بطل روايته، من مثقف تقليدى إلى متطرف دينيا رغم أن أبوالأرواح خريج «الزيتونة»، الموازية للأزهر الشريف.. وانتهت الرواية بإصابة أبوالأرواح بالجنون.
هذا الجنون الذى أصاب أبوالأرواح فى السبعينيات أصاب الآلاف من المتطرفين الذين لم يفهموا ولم يعوا رسالة الإسلام باعتباره الدين الخاتم، والجنون الذى أصابهم انعكس فى أفاعيل لا يمكن أن تكون من الدين الإسلامى أو حتى فى أى دين وضعى، إذ لا يمكن لصاحب ضمير أن يقبل حرق إنسان مكبل حتى الموت بدعاوى أنه ممن يحاربون الله ورسوله.. الجنون الذى أصاب أبوالأرواح فى الجزائر أصاب إنسانا نصف متعلم راح باسم الدين يحاول اغتيال أديب نوبل نجيب محفوظ بسكين صدئة مشرعة إلى يومنا هذا فى أيدى الآلاف وربما الملايين الذين يريدون أن يتحدثوا باسم الله، وبأنهم يحتكرون وحدهم صحيح الدين، وغيرهم كفرة وإن قالوا لا إله إلا الله محمد رسول الله، وإن صاموا وصلوا.. وأصبحنا نرى فى مصر التى احتضنت الإسلام الوسطى وصدرت علومه إلى الدنيا كلها، من يفخخ نفسه ثم ينفجر فى وجه مصريين اختلفوا معه فى العقيدة، ثم انتقل إلى مرحلة أكثر قسوة، وراح يستهدف أبناء دينه، بعد أن حكم عليهم بالكفر، وبلغت ذروة التطرف والإرهاب مبلغا غير معهود فى تاريخ مصر فى حادثة مسجد الروضة التى أطلق فيها الإرهابيون النار على المصلين يوم الجمعة على اعتبار أنهم كفرة قتلهم حلال.
 
لا خلاف على أننا سقطنا جميعا فى فخ التطرف بكافة أشكاله، فالتطرف فى جوهره الخروج عن جادة الصواب والوسطية فى اتجاه أقصى اليمين أو أقصى اليسار مع رفض الآخر وعدم قبوله، وغياب التسامح الذى يمثل جوهر كل الأديان السماوية، وحتى الوضعية.
 
نعود إلى المؤتمر الدولى الرابع لمكتبة الإسكندرية «الفن والأدب فى مواجهة التطرف».. لابد لنا بداية أن نفرق بين التطرف باعتباره فكرا وبين الإرهاب باعتباره سلوكا نجم عن هذا التطرف فى الفكر. ومن هنا كانت البداية الخطأ فى التعامل الأمنى فقط مع الظاهرة، وأخيرًا أيقن الجميع أن المعنى بالدرجة الأولى بالمواجهة ليس وزارة الداخلية، ولكن وزارة الثقافة التى من المفترض أن يكون دورها الأساسى تغذية وتربية العقل والوجدان والنفس، وعندما غاب هذا الدور لأسباب كثيرة احتل الملعب آخرون راحوا يملأون الفراغ بضلالاتهم.
 
عندما تلقى نظرة سريعة على مصر فى بدايات القرن الماضى، سوف تدرك لماذا كانت تحتل هذه المكانة برغم أنها كانت تحت الاحتلال، ولماذا صرنا إلى ما صرنا إليه برغم أننا نعيش الآن فى دولة مستقلة.. مصر كانت حاضنة قولا وفعلا لكل الأديان، والأعراق.. هذا التسامح الدينى والعرقى جعلها قبلة لكل مواطنى دول حوض البحر الأبيض المتوسط حتى من الأوروبيين.. هذا التسامح جعل رموز الفن والثقافة من الشوام يستقرون فى مصر المتماسكة، وجعل من مدينة مثل الإسكندرية منبرا ثقافيا فى حوض المتوسط حتى بلغ عدد مفردات اللغة الإيطالية التى تم تعريبها وإيضاحها من العامية المصرية تزيد على 300 مفردة، وجعل «كفافيس» يخط روائعه فى الإسكندرية التى نشأ وتربى فيها، كل هذا التسامح اختفى وأصبح فى خبر كان.
 
بحضور أكثر من أربعمائة مثقف وباحث وأكاديمى وإعلامى من مصر وعدد من الدول العربية تناقش الحضور على مدى ثلاثة أيام فى الأسباب التى أسقطت المنطقة فى دوامة الإرهاب والتطرف، وخلصوا إلى عدة توصيات أعلنها د. مصطفى الفقى، رئيس مكتبة الإسكندرية، وقال إن المكتبة خطت من جانبها خطوة فى هذا الاتجاه، وقررت أن تبدأ رسالتها فى هذا الاتجاه بدعوة عدد من أطفال المدارس لزيارة المكتبة على نفقتها، وقال إن المكتبة سوف تنشئ متحفا للأديان لتعميق ثقافة قبول الآخر.
 
فى رأيى لكى يعود التسامح وقبول الآخر الذى هو فى جوهره من مبادئ الإسلام إلى المجتمع المصرى لابد من رؤية شاملة نشارك فيها جميعا.. تبدأ بعودة حقيقية لحصة الرسم وحصة الموسيقى، وكل حصص النشاط، ولابد أن يكون هناك خطاب صريح وواضح لا يحتمل التأويل عن حقيقة جوهر الإسلام الذى اعتبر حرية العقيدة من الحريات عندما قال الله تعالى «لكم دينكم ولى دين»، وعندما قال «من شاء فليؤمن ومن شأء فليكفر»، وعندما قال لنبيه الخاتم «لست عليهم بمسيطر».
 
البداية الحقيقية بأن تعود الدولة إلى الملعب الذى تركته بإرادتها فى بداية السبعينيات.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة