تعزف الميديا الغربية أوركسترا دعائية مفزعة ضد انتخابات الرئاسة، هذه الأوركسترا هى السبب الرئيسى، فى تقديرى، لصدى الصوت الذى نقرأه أو نسمعه فى بعض البيانات السياسية الصادرة فى الداخل من نفس الوجوه المكررة، التى لا نراها إلا فى الأزمات، ولا نسمع لها صوتا إلا فى أوقات المحن، ولحظات الريبة، وأيام الفتن.
هذه الوجوه التى تطلق على نفسها «المعارضة المدنية» تثير الشفقة أكثر مما تثير القلق، إذ إننى كنت أتمنى أن تنهض فى مصر معارضة مدنية حقيقية، لكن الواقع يقول: إن من يقدمون أنفسهم باعتبارهم رموزا ديمقراطية لم نعرفهم إلا «خدما فى بلاط الإخوان»، ولم نعرف لهم نجاحا سياسيا أو برلمانيا إلا عبر تحالفاتهم مع الإخوان.
نحن نعرف يقينًا الحقائق التالية:
أولا: الأستاذ حمدين صباحى ومن معه لم يكونوا أبدًا مناضلين ديمقراطيين ليبراليين يسعون من أجل الحريات، الأستاذ حمدين هو قيادى ناصرى، لحركة لم يعد لها أنصار سياسيون حقيقيون، ولا أعرف إذا كنا نستطيع اعتبار اليسار الناصرى حركة «ديمقراطية فعلا» أم أن استدعاء كل التراث السياسى فى الخمسينيات والستينيات فى سنوات الزعيم عبدالناصر يضع الحركة الناصرية بأكملها فى معسكر مضاد للحرية والديمقراطية من الأساس؟
ثانيًا: الأستاذ حمدين صباحى مع كل الاحترام والتقدير لم يثبت يوما ما أن «زعامته» الناصرية تحظى بشعبية حقيقية فى الشارع، لكن الأستاذ كان دائمًا يدور فى فلك أصوات الإخوان، هذه حقيقة لا ينكرها الأستاذ حمدين نفسه، ولا ينكرها أى من رجاله، فالرجل نجح طوال الوقت بدعم من مكتب الإرشاد، وإن كان الأستاذ، الناصرى، نصير حركة الجيش فى الخمسينيات، وعاشق عبدالناصر، يتحدث اليوم عن الديمقراطية فهو بكل تأكيد لن يجد من يخوض حربه فى الشارع إلا هؤلاء الذين ناصروه وأيدوه من قبل ليكون واجهة ليبرالية لمشروع ديكتاتورى استعبادى باسم الدين.
هذه حقائق لا ينكرها الأستاذ حمدين بالتأكيد، لكن الأدهى فى هذا المشهد أن الصحف الغربية ومعها بعض المرضى فى الداخل يعتبرون كذلك أن السيد سامى عنان «قيادة مدنية ديمقراطية»، هل مطلوب الآن أن نصدق ذلك أيضًا؟ هل نصدقه فى حين أن السيد سامى عنان أعلن بنفسه عن نفسه فى تحالف إخوانى واضح لا تخطئه العين، وقال نوابه الذين أعلن عنهم فى خطاب منتصف الليل إنهم سيساعدون الإخوان للعودة إلى حقل العمل السياسى؟
نعرف يقينًا أن سامى عنان ليس زعيمًا سياسيًا تؤمن بأفكاره قطاعات واسعة من الأمة، ليس سوى مسؤول رفيع «سابقا» حظى بشرف الخدمة فى القوات المسلحة، لكن الرجل لم يقدم لنا أبدا مشروعا متكاملا يمكن الرهان عليه شعبيًا، ولم يكن لحزبه الصغير مكانة حقيقية بين الناس، ونعرف يقينًا أن سامى عنان لم يستطع أن يخفى رهانه الكامل على أصوات جماعة الإخوان الإرهابية حين قرر أن يعلن نفسه مرشحًا فى انتخابات الرئاسة، الإخوان كانوا ورقته الوحيدة من اللحظة الأولى، سواء فى اختيارات من سماهم «نوابه فى الرئاسة»، أو مغازلة «المظلومية الإخوانية المدنسة».
الإخوان أقوى منهم بكل تأكيد، وكانوا من قبل أكثر أنصارًا حتى عرف الناس حقيقة الجماعة، وخطة انقلابها على الديمقراطية، لكن هؤلاء الذين لا يريدون شيئا سوى أن يدخلوا ولو ليوم واحد فى معادلة السلطة والمناصب، يراهنون اليوم على أصوات الإخوان، ويستخدمون فى سبيل ذلك شعارات الديمقراطية والحريات وتداول السلطة.
هذه الحركة المدنية ليست سوى ثغرة جديدة لنفاذ الإخوان، وهذه المصطلحات الجميلة، التى يتكلمون بها وعنها اليوم لا تستهدف سوى العودة إلى المربع رقم صفر.. تداول السلطة لمرة واحدة «رئيس إخوانى وميليشيات مسلحة»، حريات سياسية لمرة واحدة «حرية الجماعة فى أن تعلو باسم الدين ولا يعلو عليها أحد»، انتخابات رئاسية حرة على طريقة «عصر الليمون فى فيرمونت».
هل تقول أيضًا إن أحمد شفيق من المعارضة المدنية؟
هل تريد أن تقول: إن قيادات الاشتراكيين الثوريين والأناركيين من المعارضة المدنية؟
هل تريد أن تقول: إن الحزب الشيوعى المصرى من المعارضة المدنية؟
هل تريد أن تقول: إن نشطاء اليسار الذين لا يعترفون حتى الآن بسقوط الاتحاد السوفيتى هم من المعارضة المدنية؟
هل ترى أى أثر لهؤلاء سوى رهانهم على أصوات الإرهاب النائمة فى الجحور؟
أنت تستطيع أن تخدع بعض الناس بعض الوقت
لكنك لا تستطيع أن تخدع كل الناس كل الوقت.
مصر من وراء القصد.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة