اعتادوا على المناورة للوصول لما يرنون إليه.. وفى سبيل ما يطمحون قد يبدلون مبادئهم ويتنازلون عن شعاراتهم إلى حين، هكذا دأبت جميع حركات الإسلام السياسى فى المنطقة العربية، وحركة النهضة الإسلامية فى تونس تحتل المركز الأول فى المناورات السياسية، بعد أن انحنت للرياح التى هبت على المنطقة العربية للإطاحة بالتنظيم الدولى فى الدول العربية بعد أن حاول التمكن من المنطقة فى أعقاب الربيع العربى.
الحركة الإسلامية التى تعد فرع التنظيم الدولى للإخوان فى تونس تنازلت عن تصدر المشهد السياسى وحكم البلاد بعد أن سقطت نظيرتها فى مصر، وارتضت بالمرتبة الثانية حتى تمر العاصفة مستغلة الوقت لتنظيم صفوفها الداخلية والتوغل داخليا وخارجيا، لتتحين الفرصة وتقفز من جديد على الحكم.
واليوم وتونس على أعتاب أول انتخابات بلدية بعد الثورة والتى ستعد نتائجها مقياسا لما سيليها من انتخابات تشريعية ورئاسية، بدأت النهضة مناوراتها السياسية من منطلق جديد بعد أن تيقنت من وجود عزوف شعبى عن التيارات الإسلامية، حيث قررت الحركة بتخطيط زعيمها راشد الغنوشى أن تخلع عباءة التدين وتظهر فى شكل عصرى أقرب لليبرالى أملا فى أن تجذب لها أنصار جدد.
الغنوشى والرئيس التونسى
وقال الناطق باسم حركة النهضة عماد الخميرى، فى تصريح لموقع "أصوات مغربية" إن التونسى اليهودى سيمون سلامة سيكون ضمن إحدى القوائم التابعة لحركة النهضة الإسلامية فى انتخابات البلدية المقبلة بعد استكمال الإجراءات القانونية لتقديمها، لافتا إلى أن ترشيحهم لتونسى يهودى على رأس أو ضمن إحدى قوائمها "دليل إضافى على انفتاح حركته وتجسيدها لمعانى المواطنة التى لا يكون فيها الاعتبار للهوية الدينية بقدر ترتكز على مبادئ الكفاءة وخدمة مطالب الشعب"، ولم يستبعد أن تقدم النهضة على ترشيح يهود آخرين فى المحطات الانتخابية المقبلة خاصة منها التشريعية، مشيرا الى أن بعض اليهود فى تونس كانوا قد صوتوا لصالح قوائم حركته فى انتخابات 2011.
وفور هذا الإعلان الرسمى من الحركة أعاد رواد مواقع التواصل الإجتماعى نشر مقطع فيديو تعود أحداثه لعام ماضى، حيث قام عدد من أنصار حركة النهضة بالإحتجاج للمطالبة بغلق مطعم يمتلكه يهودى تونسى، وقالوا أن إعادة نشر الفيديو لتذكير الشعب بحقيقة الحركة التى يتميز خطابها بازدواجية كبيرة وفقا لمصالحها.
ومن اليهودى الى المرأة والمستقلين .. حيث قامت الحركة بإعداد قوائمها الإنتخابية ليترأس غالبيتها شخصيات مستقلة، فى محاولة لإستقطاب ناخبين جدد، وقال نور الدين البحيرى رئيس كتله حركة النهضة بالبرلمان إن الحركة ستدخل الانتخابات البلدية على جميع الدوائر البلدية وعددها 350، لافتا الى حرص الحركة على دفع المستقلين لترأس أغلب القوائم.
راشد الغنوشى
كما قامت النهضة بدفع المرأة على رأس القوائم الانتخابية مغازلة للمرأة التونسية وللظهور بمظهر المدافع عن حقوق المرأة، ومن بين إحدى المترشحات سندس الريانى الديماسى والتى كانت ضمن اللجنة الوطنية الموسعة لحزب حركة نداء تونس – حزب الرئيس التونسى العلمانى - فى بداية تأسيسه، والتى علقت على موافقتها "لم أجد فى نداء تونس ما كنت أنتظره فانسحبت و قبلت الترشح على راس قائمة النهضة بهدف خدمة البلاد".
ردود الأفعال جاءت قوية فى الداخل التونسى..ففى أول تعليق من جانب حزب نداء تونس – حزب الرئيس التونسى الباجى قائد السبسى – على ترشيح حركة النهضة الإسلامية لتونسى يهودى على رأس إحدى قوائمها للانتخابات البلدية، قال برهان بسیس المكلف بالشؤون السیاسیة بحزب نداء تونس، " إن حركة النهضة تقوم باستعراض مغر "ستريبتيز"معتبرا انه من حقها، وأضاف برهان بسیس ، فى برنامج "هنا شمس" على اذاعة "شمس اف ام " كل ما نخشاه أن يصبحوا اليهود موضوع استثمار سیاسى لكن النهضة تستثمرهم”.
أما رئيس الجالية اليهودية فى تونس ورئيس جمعية الغريبة بيريز الطرابلسى قال عقب ترشيح النهضة لسيمون سلامة رجل الأعمال اليهودى التونسى، إن يهود تونس كانوا قد اتخذوا قرارا بعدم المشاركة فى الاستحقاقات الانتخابية والسياسية منذ فترة طويلة، وأضاف رئيس الجالية اليهودية فى تونس "أننا كلنا تونسيين رغم اختلاف الديانات، وأن سيمون سلامة له الحرية فى الترشح للانتخابات البلدية و ممارسة السياسة..لكننا نرفض استغلال حركة النهضة ليهود تونس، من خلال قرارها وضع يهودى فى إحدى قوائمها الانتخابية البلدية عن دائرة المنستير لتحقيق أهدافها السياسية الضيقة".
وتابع الطرابلسى "قرار حركة النهضة لا يبدو ذى أهمية على نحو ما تم الترويج له، وقد كان بإمكان يهود تونس الترشح ضمن قائمات أحزاب أخرى وليس فقط على إحدى قائمات النهضة"، مضيفا " النهضة استغلت اليهودية لإبراز أنها تطبق التعددية"، معتبرا القرار مجرد استغلال لهدف انتخابى وتوجيه للرأى العام.
قيادات حركة النهضة
وأوضح أن النهضة متمسكة بالديمقراطية ما جعلها تستمر كحركة على مدى أكثر من 50 سنة، ملاحظا أن الديمقراطية صلب النهضة مبنية على أسس فكرية وأهمها التعايش وبأن تونس يمكن أن تسع لجميع الاتجاهات، وشدد على أن تونس نجحت فى إرساء الديمقراطية ولم يعد يفصلها على استكمال هذا المسار سوى الانتخابات البلدية التى وصفها بكونها "من استحقاقات الثورة التونسية".
ولكن ليس بالكلام وحده تتغير الأيديولوجيات الدينية والسياسية، فكلما حاولت النهضة تجميل صورتها تأتى إحدى سقطاتها لتؤكد أنها لا يمكنها أن ترتدى ثوب الليبرالية للأبد، وإن حدث هذا فى وقت من الأوقات من باب "التكتيك السياسى" فسيأتى وقت وتظهر الحقائق.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة