عانت وزارة الثقافة المصرية منذ ثورة 25 يناير، من العديد من الآفات القاتلة، ولعل أهم هذه الآفات وأخطرها هى آفة «العشوائية» التى ضربت الوزارة كما ضربت الوزراء، فرأينا وزراء لا يفقهون من الثقافة شيئا، ورأينا وزراء اعتبروا المنصب الوزارى تكريما أتى فى نهاية الخدمة، ورأينا وزراء استكفوا باللقب والمعاش وكفى، بينما اكتفى البعض بتسيير أعمال الوزارة والتأشير على البوستة اليومية وإقامة الفعاليات الثقافية المقامة بالفعل، ولكى لا أظلم أحدا فأؤكد أنى على وعى تماما بأن الظرف التاريخى الذى مرت به مصر كان حالكا بالفعل، وأن «ظروف البلد» لم تكن شماعة يعلق عليها البعض فشله، بل كانت حقيقية لا يستطيع منصف إنكارها، لكنى فى الحقيقة لا أسلم تمامًا بأنه ليس فى الإمكان أبدع مما كان.
هنا أتذكر ما دعوت إليه من 2011 فى مقال بعنوان سيناء وثلاثون عاما من العزلة، المنشور فى الثلاثاء 23 أغسطس من العام ذاته، وأذكر أنى دعوت فيه إلى كسر ثلاثين عاما من العزلة الثقافية التى عاشتها سيناء فلم يهتم أحد بثقافتها المحلية وتجلياتها المختلفة، ولا حاول أن يدخل إليها بعض من ثقافة الأقاليم الثقافية الأخرى، لتصبح مثل الشقة الخالية، متأهبة لمن يسكن فيها، فيعدل ما بها على مزاجه، ويعيد تشكيلها على هواه لتصبح سيناء عرضة للثقافات الدخيلة، وأن ينظر أبناؤها إلى القادمين من المدن المصرية باعتبارهم «وافدين» وأغرابا، كما استفحل فيها التيار الدينى المتخلف الرجعى، فصارت حاضنة للخلايا الإرهابية الدولية وللعصابات الإجرامية ذات الطابع العالمى، ولهذا رجوت كلا من المجلس العسكرى، والدكتور عصام شرف، والدكتور عماد أبوغازى، وزير الثقافة، والدكتور شاكر عبدالحميد، أمين المجلس الأعلى للثقافة، ومنظمات المجتمع المدنى والجمعيات الأهلية الثقافية ورجال الأعمال إلى تبنى فكرة إعمار سيناء ثقافيا، بالتوازى مع إعمارها اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ثم اقترحت إقامة لجنة فى المجلس الأعلى للثقافة باسم لجنة الثقافة النوعية لوضع استراتيجية محكمة لكسر هذه العزلة، على أن تعمل هذه اللجنة حول محورين، الأول هو إعادة إحياء الثقافة التقليدية وتنميتها وتسويقها، والثانى هو إدخال أنواع الثقافات الأخرى إليها، وحينها أيضا تبنى الدكتور شاكر عبدالحميد هذه الفكرة وقدمها إلى البرلمان المصرى حينما طلب منه تقديم استراتيجية ثقافية لمصر، لكن للأسف رحل «عبدالحميد» واستفحلت مشكلات سيناء، ورأينا بأعيننا مقدار التطرف الذى ضرب مئات الشباب فى تلك البقعة المقدسة من أرض مصر، ولم نر حتى الآن مسرحا ولا فيلما ولا دور سينما ولا دار أوبرا.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة