مخرج عالمى فى العقد السابع من عمره يترك كل مشروعاته الفنية التى كان يعمل بها، ويقرر أن ينتج ويخرج فيلما لكاتبة سيناريو فى الثلاثين من عمرها فى أولى تجاربها فى كتابة السيناريو، ليحققا معا النجاح السينمائى الأكبر هذا العام سواء على المستوى النقدى أو الجماهيرى، أليس هذا هو ما نُطلق عليه تواصل الأجيال الذى ينتج عنه أعمال فنية أو غير فنية تمنح الأمم والبشر القيمة والقامة.. مجرد ملحوظة وجب التنبيه لها لنعرف جزءًا من الفرق بينهم وبيننا.!
هم هوليوود، وأما المخرج فهو أيقونتها وأشهر مخرجيها على مر العصور ستيفن سبيلبرج صاحب الخلطة السحرية فى صناعة السينما التى لا يختلف حولها ناقد أو جمهور، وأما الفيلم فهو الأحدث له بعنوان ذا بوست وهو دراما سياسية من الطراز الرفيع جدًا، وأما كاتبة السيناريو فهى ليز حنا أو هانا كما ينطقها الغرب، وأما لماذا ترك سبيلبرج كل مشروعاته الفنية التى كان ينجزها ليخرج سريعا هذا الفيلم فالإجابة ستعرفها من قصة الفيلم ذاته المأخوذ عن وقائع حقيقية حدثت فى الولايات المتحدة عام 1966 أثناء الحرب على فيتنام فى فترة حكم الرئيس نيكسون، حيث استطاعت جريدة النيويورك تايمز أن تحصل على وثائق سرية تفضح الدور الأمريكى فى فيتنام على مدى رئاسة 4 رؤساء، جميعهم شاركوا فى تضليل الرأى العام والكذب عليه فيما يخص فيتنام قبل الحرب، ثم شن الحرب عليها، وتواجه التايمز حكما بمنع النشر ولكن على الطرف الآخر تقف صحيفة الواشنطن بوست والتى تملكها سيدة وهى كاثرين جراهام، وكانت صحيفة محلية آنذاك تحلم بالتوسع ويستطيع أحد محرريها أن يصل لذات المستندات السرية فيقرر رئيس تحريرها النشر، ولكن يبقى القرار لصاحبة الجريدة لأن فى النشر إمكانية حبسها هى ورئيس التحرير، ولكنها تقرر النشر وتواجه البيت الأبيض مع صحفييها أمام المحكمة الأعلى فى أمريكا، وتتحد كل صحف أمريكا مع الصحيفتين، وتخرج المحكمة بحكم تاريخى أن الصحافة دورها حماية الشعب وليس الحاكم ولذا فلا يجب منعها من نشر وثائق تفضح تورط حكامها فى الكذب.. وينتهى الفيلم ببداية اكتشاف فضيحة ووترجيت.
أسوأ ما يمكن أن أكون قد فعلته أنى حاولت تلخيص حكاية فيلم ذا بوست، فهذا فيلم يُشاهد ولا يُحكى للمشاهد، لأن كل مشهد فيه وكل كلمة ينطقها أبطاله لا يمكن أن يقابلها مجرد كلمات مكتوبة مختصرة، خاصة أن ميريل ستريب وتوم هانكس أساتذة الأداء والتقمص هما بطلا الفيلم فى أول لقاء يجمعهما مع سبيلبرج.
حين سألوا سبيلبرج فى حوار مع جريدة الجارديان البريطانية لماذا أنجزت هذا الفيلم بهذه السرعة، قال لأن الزمن الذى تدور فيه الأحداث يذكرنا بالحاضر، فحرب نيكسون مع الصحافة لإخفاء الحقائق، خاصة الفساد تشبه حرب ترامب مع الإعلام وإن اختلفت الأدوات!
إذًا فهو فيلم يحمل رسالة سياسية بامتياز، والرسالة أتت على لسان قضاة المحكمة الأعلى فى أمريكا وهى أن الصحافة مهمتها إعلام الشعب بالحقيقة ومن بين تلك الحقيقة حقيقة الحاكم.
سبيلبرج وسينما هوليوود مهما اتهمناها نحن أو غيرنا بأنها سينما تزيف الواقع أحيانًا إلا أنها بلا شك لا تتجمل ولا تستحى أن تكشف عن فساد فى أمتها فلا أصوات لديهم تصرخ فى صُناعها وتقول إنهم يسيئون لسمعة أمريكا، بل يصفق لهم النقاد ويمنحونهم الجوائز ويصفق لهم الجمهور ويمنحونهم الإيرادات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة