فى بدايات الثورة السورية عام 2011 اعتبر كثير من السوريين بل والمهتمين بالأزمة السورية فى أنحاء العالم أردوغان صديقا أكبر للسوريين، الذى وقف بجوارهم فى مواجهة ما يلاقونه من انتهاكات، اتخذ أردوغان خطابا قويا فى مواجهة بشار الأسد واعتبره إرهابيا يجب عليه الرحيل، لكن ومع تطور الأمر وتحول الثورة السورية إلى حرب أهلية، انكشف زيف كل هذه الادعاءات، فالصديق السورى المزيف.
دعم أردوغان بالمال والسلاح وحدات المعارضة السورية ذات التوجهات الإسلامية المتشددة، وهو أمر لا يحتاج إلى الكثير من العلم والمعرفة ببواطن الأمور، فمجرد نظرة عابرة على خريطة المدن التى وقعت تحت أيدى المعارضة المسلحة ذات التوجه الإسلامى المتشدد بحلول عام 2015 فهى ليست سوى المدن المتخامة للحدود التركية.
لكن دعم الفصائل المتشددة ذلك لم يكن سوى خطة طويلة الأمد لم تظهر حقيقتها سوى بعد سنوات طويلة، تتحقق اليوم على أرض الواقع بدخول الجيش السورى إلى منطقة عفرين، خطة تضمنت اتفاقات وتلاعبات، واستخدام كبير لخلايا الجهاديين، فى لعبة لم يكن هدفها دعم من خرجوا بمطالب الحرية والكرامة، بل بمطالب توسعية استعمارية، نابعة من أوهام تملأ رأس الرجل حول استعادة "الخلافة العثمانية".
الخطوة الأولى.. الجمعيات الخيرية البوابة الخلفية لدعم الإرهاب فى سوريا
بحلول عام 2013 كانت كافة المناطق السورية المتخامة للحدود التركية قد وقعت بالفعل تحت أيدى الفصائل ذات التوجهات "التكفيرية" المدعومة من الأتراك، بداية من مدينة الباب، وإعزاز وتل رفعت بالإضافة إلى محافظة إدلب بأكملها، وكذلك النصف الشرقى من مدينة حلب ثانى أكبر المدن السورية، كان أكبر تلك الفصائل هى "جبهة النصرة" أو فرع تنظيم القاعدة فى سوريا، تلك الجبهة التى شكلها معتقلون جهاديون سابقون فى سجن صيدنايا أفرج عنهم النظام السورى فى يونيو من عام 2011، وكان من بينهم بطبيعة الحالة أبو محمد الجولانى زعيم تنظيم القاعدة، هذه الفصائل التى أصبحت الأكثر قوة فى الشمال السورى، وهى حركة أحرار الشام، وألوية صقور الشام، هذه الفصائل التى شكلت سويا فى تلك الفترة ما سمى بـ"الجبهة الإسلامية" تمكنت من السيطرة على معبر باب السلامة الحدودى مع تركيا، وبفضل تلك السيطرة اضحى دخول المال والسلاح إلى الداخل السورى أمرا سهلا، فشهدت تلك الفترة تحولا فى نوعية السلاح المستخدم، وصل إلى حد وصول أسلحة مضادة للطائرات إلى يد تلك الجماعات الجهادية.
آليات تركية تنقل عبر الحدود للمعارضين السوريين
استطاعت تلك المجموعات تحقيق تميز نوعى فى شمال سوريا، واستخدمت الحملات الإغاثية كقناة مرور للأسلحة المتطورة، عبر جمعيتين هما "صندوق الإغاثة والمساعدات الإنسانية" وهى منظمة مجتمع مدنى تابعة للحكومة التركية، و"جمعية قطر الخيرية" تلك الجمعية التى أدرجتها دول المقاطعة لقطر على رأس الجمعيات الداعمة للإرهاب.
وفى الوقت نفسه شهد الإعلام القطرى التركى احتفاء كبيرا بهذه الجبهة ودورها ففى هذا الفيديو مثلا يمكنك أن تجد مراسل قناة الجزيرة يخوض معركة مع جبهة النصرة، ويحاول إظهارها بمظهر مشرف، ويستضيف قياداتها المرتبطة بتنظيم القاعدة.
لا يحتاج الأمر للكثير من البحث، نظرة بسيطة على الإعلام القطرى لتجد أن هؤلاء "الإرهابيين" صاروا أبطالا، لدرجة أن أول ظهور تلفازى لزعيم جبهة النصرة أبو محمد الجولانى، كان فى برنامج "بلا حدود" مع الإعلامى الإخوانى أحمد منصور الذى زار سوريا خصيصا للقاء الجولانى.
الخطوة الثانية.. انشقاق "داعش" عن "النصرة".. التغير الذى أجل خطة أردوغان
خلال السنوات من 2011 وحتى 2013 سهلت تركيا عبور عشرات الآلاف من الجهاديين الأجانب إلى الجانب السورى، وأصبحت سوريا بمثابة مغناطيس لكل التكفيريين والجهاديين من كافة أنحاء العالم، حتى أن هناك كتائب كاملة تكونت من جنسيات أجنبية داخل سوريا.
فى هذا الفيديو مثلا يمكنك أن تشاهد كتيبة كاملة مكونة من التونسيين التابعين لتنظيم القاعدة فى منطقة أدلب السورية بداية عام 2013.
وفى هذا الفيديو مثلا الذى نشرته وكالة الأنباء السورية الرسمية، نقلا عن مجموعة جهادية تدعى "جنود الشام" يمكن أن نجد مقاتلين شيشانيين بين فصائل مسلحة تهاجم منطقة جسر الشغور فى ريف إدلب الجنوبى.
هذه المجموعات الأجنبية الموتورة كانت سببا فى انفجار داخل جبهة النصرة ليخرج من رحمها وحش إلى العالم أسمه "تنظيم داعش" هذا التنظيم الذى تحول إلى رعب عالمى، بعد أن انشق أغلب مقاتليه من داخل جبهة النصرة وبايعوا أمير التنظيم الجديد أبو بكر البغدادى، استطاعت داعش انتزاع محافظات مثل دير الزور وريف حلب الشمالى ومدينة الباب، ومناطق واسعة كانت تسيطر عليها الفصائل المدعومة تركيا.
كان السلاح والمال تركيا قطريا، لكنه كان أيضا بمثابة انقلاب على القيادات المدعومة تركيا وقطريا، وفى اشهر قليلة استطاع التنظيم الجديد السيطرة على مناطق شاسعة من سوريا والعراق.
الإنسانية تختفى بعد حصار حلب.. أردوغان يحتجز 70 ألف لاجئ رهائن لخطته
فى فبراير من عام 2016، بدأت الحكومة السورية أولى خطواتها لتحرير مدينة حلب من الفصائل المعارضة التى سيطرت عليها، عبر إحكام سيطرتها على "ريف حلب" وهى المناطق الريفية الواقعة شمال المدينة حتى الحدود التركية، فى أثناء هذه المعارك هرب 70 ألف مدنى ناحية تركيا، وفقا للمرصد السورى لحقوق الإنسان، لكن أردوغان الذى زعم أنه صديق للسوريين أغلق الحدود فى وجه هؤلاء، بل والأكثر قامت قواته بإذلال السوريين وقتل من يحاول منهم عبور الحدود.
حرس الحدود التركى يمنع اللاجئين
أما حرس الحدود التركى "الجندرمة" فقد صدرت منه أشد الممارسات البشعة بحق المهاجرين، ففى إحصائية للمرصد السورى لحقوق الإنسان، فإن حرس الحدود الأتراك قتلوا نحو 324 لاجئا سوريا حاول الفرار إلى الداخل التركى منذ اندلاع الثورة السورية، من بينهم نحو 90 طفلا وسيدة.
هذا الفيديو واحد من آلاف الفيديوهات المرعبة الموجودة على موقع "يوتيوب" لتعذيب السوريين على يد حرس الحدود التركى.
نوايا أردوغان تتضح: حلب وكركوك والموصل أراضى تركية
فى اكتوبر من عام 2016 ومع بدء اندحار قوات داعش فى العراق وسوريا، بدأت ملامح خطة أردوغان تتضح حين نشرت وكالة الأنباء التركية الرسمية خريطة جديدة للدولة التركية، قالت إنها خريطة المستقبل لتركيا، تمتد من حلب وحتى مدينة كركوك.
فى نفس الوقت تحدث رجب طيب أردوغان عن ضرورة تعديل اتفاقية "لوزان" والتى بموجبها وضعت الحدود الحالية لدولة تركيا بعد الحرب العالمية الأولى، واصفا أن التخلى عن موصل والحلب فى أثناء توقيع تلك المعاهدة كان خيانة للشعب التركى، بل إن الرئيس التركى لوح بصراحة بتعديل الاتفاقية بعد مرور 100 عام على توقيعها، أى فى عام 2023، وذكر هذا أكثر من مرة.
اتفاقيات أردوغان السرية مع الأطراف المتقاتلة فى سوريا
فى أغسطس من عام 2017 أعلن الرئيس التركى رجب طيب أردوغان بدء عملية أسماها بـ "درع الفرات" تستهدف خلق منطقة عازلة فى شمال سوريا، فى الوقت نفسه كانت القوات الحكومية تحكم سيطرتها لحصار مناطق المعارضة فى حلب.
ظن الجميع أن حلب ستكون "أم المعارك" فى المنطقة السورية، فهى المنطقة المكتظة سكنيا والتى من المتوقع أن تتحول المعركة فيها إلى حرب شوارع، لكن النظام السورى لم يحتج سوى أسابيع قليلة لإحكام سيطرته على المدينة، أما المقاتلين من جبهات "النصرة وأحرار الشام" فلم يكونوا فى حلب حينها، بل كانوا قد انسحبوا من داخل المدينة لينضموا لقوات أردوغان.
جهاديين من سوريا برفقة دبابة تركية
أما فى أواخر عام 2017، فإن محافظة إدلب التى تبقى المحافظة الأخيرة فى أيدى الجماعات الجهادية المسلحة، فقد شهدت أمرا شبيها تماما بما حدث فى حلب، إذ اجتاحت القوات الحكومية مناطق الجهاديين بسهولة ويسر، أما الهدف المعلن وقتها فكان واضحا "مطار أبو الظهور العسكرى"، كان الجميع يعرف تماما أنه بمجرد وصول القوات الحكومية لمطار أبو الظهور فإن تركيا ستبدأ تدخلا جديدا للسيطرة على مدينة "عفرين"، وهو ما حدث بالفعل لتبدأ العملية الأخيرة فى عفرين بمشاركة الفصائل الإسلامية المتشددة لاجتياح شمال سوريا.
خريطة التطورات المنشورة، تشرح بشكل تفصيلي ما يدور فى الشمال السورى، عملية احتلال تركى للشمال، فى إطار خطة لإحياء أوهام أردوغان عن الخلافة العثمانية، بعد 7 سنوات من الثورة السورية ، اكتشف الكثيرون كيف كان أردوغان صديقا مزيفا، لم يهتم بالإنسانية ييوما، بل اهتم بأغراضه الاستعمارية التوسعية، وأوهامه فقط لا غير.
خريطة الشمال السورى
الأحمر: القوات الحكومية
الأصفر: الأكراد
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة