يبدو أن المملكة العربية السعودية، تسلك طريقا إلى التنوير، وتعلم العلوم والفنون المختلفة، ولعل ذلك يتمثل فى إعلان الدكتور أحمد العيسى، وزير التعليم السعودى، عن وجود نية لدى الحكومة السعودية، لتدريس الفلسفة، وذلك من خلال إدخال "مبادئ الفلسفة" فى مناهج المرحلة الثانوية.
ولعل الفلسفة أحد أبرز العلوم الإنسانية، التى شهدت على مدار التاريخ الإسلامى اختلافا واسعا بين العلماء، وخلق الجدل مساحة للمنازعات التاريخية بين علماء الدين والفلاسفة، ولعل أبرز هى الجدل بين كتابين "تهافت الفلاسفة" للإمام أبى حامد الغزالى (450 هـ - 505 هـ / 1058م - 1111م)، والذى اعتبره فيه "الغزالى" محاولة الفلاسفة فى إدراك شيء غير قابل للإدراك بحواس الإنسان منافيا لمفهوم الفلسفة أساسا، ليأتى من بعده الفيلسوف المسلم ابن رشد (إبريل 1126م - ديسمبر 1198م)، ليرد على أوجه القصور فيما ورد فى كتاب الغزالى من وجهة نظره.
وحاول ابن رشد فى كتابه الرد فقط على المسائل التى عابها الحجة على الفلاسفة، ولم يقل إنه أخطأ فى حكمه على هذه المسائل، لكنه قال إن الفلاسفة ما قالوا بها أصلا وأن الغزالى إنما خلط عليه الأمر نتيجة شرح فلاسفة المسلمين الخاطئ لأقوال فلاسفة الإغريق ومن هؤلاء ابن سينا وغيره.. ولم يوافق ابن رشد على شيء من هذه الأقوال التى نعتها الغزالى بالكفر ولم ينسبها إلى الفلاسفة اللهم إلا مسألة المعاد الروحاني وقوله فيها غامض جدا.
الإمام الغزالى لم يكن أول من يحرم الفلسفة، فكان الإمام الشافعى، أحد الأوائل الذين حرموا علم "حب الحكمة"، حين قال: "ما جهل الناس واختلفوا إلا بتركهم مصطلح العرب وأخذهم بمصطلح أرسطو طاليس".
كما ينسب للشيخ ابن إدريس البهوتى، الملقب بـ"شيخ الحنبلى فى مصر"، أقوال مشابهة حيث قال كتابه "كشاف القناع عن متن الإقناع": عكس العلوم الشرعية علوم محرمة أو مكروهة، فالمحرمة كعلم الكلام إذا تكلم فيه بالمعقول المحض، أو المخالف للمنقول الصريح الصحيح، فإن تكلم فيه بالنقل فقط، أو بالنقل والعقل الموافق له، فهو أصل الدين وطريقة أهل السنة، وهذا معنى كلام الشيخ تقى الدين، وفى حاشيته: ما فيه كفاية فى ذلك كعلم "الفلسفة والشعبذة والتنجيم والضرب بالرمل والشعير وبالحصى، وكعلم الكيمياء، وعلوم الطبائعيين" انتهى.
وقال القاضى زكريا الأنصارى، قاضى قضاة دولة المماليك فى عهد السلطان قايتباى الجركسى، وأحد أشهر المفسرين الشافعيين: "وأما علم أى تعلم علم "الفلسفة والشعبذة والتنجيم والرمل وعلم الطبائعيين والسحر فحرام" انتهى.
ويقول الفقيه بن عرفة الدسوقى المالكى، أحد أبرز فقهاء المذهب المالكى فى كتابه الأشهر "حاشية الدسوقى": فقد نهى عن قراءته الباجى وابن العربى وعياض، خلافا لمن قال بوجوب تعلمه لتوقف العقائد عليه وتوقف إقامة الدين عليها، ورد ذلك الغزالي بأنه ليس عند المتكلم من عقائد الدين إلا العقيدة التى يشارك فيها العوام وإنما يتميز عنهم بصفة المجادلة ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة