٧ سنوات على الأزمة الليبية.. ومصر تواصل مساعيها لتحقيق الأمن لجارتها

الإثنين، 03 ديسمبر 2018 09:48 ص
٧ سنوات على الأزمة الليبية.. ومصر تواصل مساعيها لتحقيق الأمن لجارتها السفير منير زهران
(أ ش أ)

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

7 سنوات مرت على سقوط نظام العقيد معمر القذافى، حاكم ليبيا لأكثر من 42 عاما، ولا تزال البلاد تبحث عن الأمن والاستقرار وسط حالة من الفراغ السياسى والفوضى والانقسام التى عمت تلك الأرض الشاسعة ذات المليون و760 ألف كيلو متر مربع، وذلك بسبب الصراع على السلطة والتناحر وانتشار المليشيات المدعومة من الخارج والأطماع فى هذه الدولة صاحبة احتياطيات النفط الأكبر فى قارة أفريقيا.

وتعد الأزمة الليبية إحدى أولويات السياسة الخارجية المصرية فى الوقت الراهن، فتربط البلدين مصالح أمنية واقتصادية، فضلا عن الروابط الاجتماعية، ولاسيما لكون ليبيا بوابة مصر الغربية حيث تشكل الحدود الممتدة بين البلدين- على طول الخط الحدودى من الشمال عند البحر المتوسط وإلى الجنوب حيث الحدود مع السودان- مسافة نحو 1200 كيلو متر.

وبحسب المراقبين، فإن ليبيا حاليا هى الشغل الشاغل لمصر التى لا تدخر جهدا لمساعدة الليبيين على العبور ببلادهم إلى بر الأمان وتجاوز هذه المرحلة العصيبة من تاريخهم، وقد استضافت القاهرة منذ يونيو 2017 ست جولات للحوار بين العسكريين الليبيين الذين يمثلون مختلف مناطق ليبيا، وتم التوصل إلى عدد من الوثائق التفصيلية ولم يتبق سوى التوقيع عليها واعتمادها من قبل القيادات الليبية.

وتؤكد مصر دوما الالتزام بالحل السياسى كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة، وتحقيق المصالحة بين مختلف أطياف الشعب الليبى، ورفض التدخل الخارجى والخيار العسكرى لتسوية الأزمة، وضرورة الحفاظ على كيان ووحدة الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية، وأهمية أن يكون الحل "ليبى- ليبي" بعيدا عن أى حلول مفروضة من الخارج.

وأكد السفير منير زهران رئيس المجلس المصرى للشئون الخارحية- فى تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط- أنه منذ اللحظة الأولى من اندلاع الأزمة عام 2011 ومصر مهتمة بالأوضاع فى ليبيا وكرست جميع الجهود لعودة الأمن والاستقرار إليها..وجمعت الفرقاء الليبيين بالقاهرة فى محاولة إعادة التلاحم فيما بينهم وتضافر جهودهم مع مصر وجميع الدول المحبة للسلام والمحبة لليبيا.

ولفت إلى أهمية أن يتفق الليبيون فيما بينهم على تأييد الجهود المبذولة وتنفيذ اتفاق الصخيرات وقرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة وإجراء استفتاء لدستور جديد وانتخابات ديمقراطية سليمة لتحقيق ذلك و(اتفاق الصخيرات هو اتفاق تم توقيعه بمدينة الصخيرات بالمغرب عام 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف إنهاء الحرب الأهلية المندلعة فى ليبيا فى أعقاب الثورة ومقتل العقيد معمر القذافى فى أكتوبر 2011).

وقال أن مصر تؤيد جهود ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، مذكرا بأنه تم الاستماع إلى رؤيته خلال مشاركته فى النسخة الثانية من منتدى شباب العالم بشرم الشيخ فى مطلع نوفمبر الماضى.

وأشاد رئيس المجلس المصرى للشئون الخارجية بنأى الليبيين بأنفسهم عن التعاون مع أطراف خارجية لا تريد الخير لليبيا وشعبها مثل تركيا وقطر التى بثت عدم الاستقرار وصرفت الأموال على التنظيمات الإرهابية بما يضعف من الكيان الليبى ويؤثر على الاستقرار والسلامة الإقليمية لليبيا.

وشدد زهران على ضرورة ألا ننسى ما تمثله ليبيا لدى الشعب المصرى حيث العلاقات الضاربة فى جذور التاريخ والجغرافيا، فهناك مصريون من أصول ليبية ومئات الألوف من المصريين يعملون بليبيا وكانوا يعتبرونها كأنها بلدهم الثانى وذلك منذ الملك محمد إدريس السنوسى (أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء) ومن ثم ثورة الفاتح (التى أطاح فيها القذافى بحكم المملكة الليبية وأعلن نشوء الجمهورية العربية الليبية).

ومن جانبه، قال الدكتور يوسف أحمد الشرقاوى سفير مصر السابق فى اليمن وموريتانيا- الذى كان يتولى إدارة الملف الليبى ودول المغرب العربى بوزارة الخارجية المصرية عام 2012- أن ليبيا تعانى من حالة انقسام شأنها شأن سوريا واليمن، وهى بالنسبة لمصر ومصر بالنسبة لها أمن قومى مشترك.

وأضاف أنه فى ضوء علاقات الجوار والمصاهرة والمصالح القومية العليا، فمصر مهتمة بشدة بالأوضاع فى ليبيا ولها مجموعة من الأهداف تحاول أن تعمل على تحقيقها وهى العمل على إنجاح المصالحة فى ليبيا وإنهاء حالة الفوضى والانقسام، وإرساء الأمن والاستقرار، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية وتوحيدها، وأكد على أهمية مساندة الجيش الليبى ورفع حظر السلاح عنه باعتباره رمانة الميزان لإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، مشيرا إلى دعم مصر لهذا الجيش الوطنى دون مساندة أى قوى آخرى على أرض ليبيا.

وأشاد الشرقاوى بجهود مصر لمساعدة ليبيا الشقيقة باستضافة العديد من اللقاءات التى جمعت قوى سياسية ومشايخ وأعيان ليبيا وممثلين عن منظمات المجتمع المدنى، فى إطار المحاولات لإيجاد حل للأزمة بأيدى الليبيبن أنفسهم، فضلا عن مشاركة مصر فى مؤتمرات دولية حول ليبيا سواء على المستوى الإقليمى أو الدولى، وآخرها مؤتمر باليرمو بجنوب إيطاليا (12- 13 نوفمبر) الذى شارك فيه الرئيس عبد الفتاح السيسى، وكذلك الاجتماع الوزارى الـ12 لآلية دول جوار ليبيا بالخرطوم (29 نوفمبر) وشارك فيه وزير الخارجية سامح شكرى.

وأوضح أن ليبيا تمر حاليا بمرحلة حاسمة فى تاريخها وتقف فى مفترق طرق مما يتوجب على مصر مواصلة جهودها ومساعيها لمساعدة الليبيين على تحقيق المصالحة وإنهاء الفوضى والوصول إلى حل سلمى فى بلادهم، مع استمرار دعم المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطنى الليبى والترحيب بمبادرة الدول الصديقة والشقيقة التى تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة لحل الأزمة.

وترى مصر أن الأوضاع بليبيا فى حاجة إلى جيش وطنى يحارب الإرهاب ويعيد السلم والأمان لشعبه، ولذلك ترعى مصر مشروعا لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، من أجل توفير دعامة أمنية لا غنى عنها للعملية السياسية وضمانة لتنفيذ مخرجاتها بما فى ذلك خلق الظروف المناسبة لعقد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة فى ليبيا، وبما يسمح بتفرغ الجيش الوطنى الليبى للقيام بدوره الأصلى فى الحفاظ على أمن البلاد ومكافحة الإرهاب.

وطالب الرئيس عبد الفتاح السيسى- خلال لقائه بوسائل الإعلام الأجنبية بمصر فى ختام فاعليات النسخة الثانية من منتدى شباب العالم فى نوفمبر الماضى- برفع حظر السلاح جزئيا عن الجيش الليبى لتمكينه من القيام بدوره فى حفظ الأمن والاستقرار بالبلاد، قائلا "ندعم الجيش الوطنى الليبى باعتباره المسؤول عن حفظ الأمن، حيث تعمل مصر على توحيد جهود المؤسسة العسكرية الليبية للتعامل مع التهديدات الحالية".

وكان مجلس الأمن قد أصدر قرارا فى مارس 2011 طلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتعلق بها إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية وشبه العسكرية وقطع الغيار، ويتم تمديد هذا القرار كل عام حتى الآن، حيث تبنى مجلس الأمن الدولى بالإجماع، فى يونيو الماضى، قرارًا صاغته بريطانيا يقضى بتمديد حظر السلاح المفروض على ليبيا لمدة عام آخر، كما كان قد فرض مجلس الأمن بالإجماع فى 14 يونيو 2016، قرارا يجيز تفتيش السفن فى عرض البحر قبالة سواحل ليبيا بالقوة.

ومن ناحيته، قال السفير أشرف عقل سفير مصر السابق فى كل من فلسطين واليمن، ورئيس مجلس أمناء مركز الوعى العربى للدراسات الاستراتيجية- فى تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط- أن دور مصر ليس داعما للجيش الوطنى الليبى فقط ولجهود توحيد المؤسسة العسكرية، بل تعدى إلى الدعم اللوجيستى فى عدد من المناطق لأننا نعتبر أن أمن ليبيا وأمن مصر هو أمن واحد، فضلا عن دور مصر فى رعاية الحوار القائم بين الأطراف الليبية.

وأضاف أن مصر ركزت على البنود الأساسية لمؤتمر "باليرومو" من ضرورة احترام جميع الأطراف الليبية لنتائج الانتخابات، وتحمل المؤسسات الشرعية مسئوليتها، واعتماد دستور يحقق السيادة الليبية، مشيرا إلى أن من مخرجات مؤتمر "باليرمو" اعتبار اتفاق الصخيرات هو المسار الحيوى الوحيد للوصول إلى الحل السياسي.

وأوضح أن مصر أكدت دعمها لنتائج مؤتمر "باليرومو" من ناحية والإصلاحات التى أعلنتها حكومة الوفاق الوطنى فى سبتمبر الماضى من ناحية أخرى، فضلا عن تأييدها للجهود الرامية إلى حل سياسى وتحقيق المصالحة بين الليبيين.

وأكد السفير عقل أن الرئيس السيسى يبذل جهدا كبيرا فى دعم التوصل لتسوية شاملة مع التأكيد على ضرورة التمسك بوحدة الأراضى الليبية ودعم مؤسساتها واحترام إرادة شعبها، مذكرا بأن مصر جزء أساسى من تسوية العملية فى ليبيا ويأخد برأيها دائما فى الاعتبار.

وأرجع عقل استمرار الأزمة الليبية إلى أسباب داخلية وهى الانقسامات وحالة الارتباك والفوضى التى تشهدها البلاد وإلى انتشار الجماعات المتطرفة والصدامات بين الفصائل المسلحة فى جميع مناطق البلاد تقريبا، فضلا عن وجود حكومتين متنافستين مما يسهم فى تأجيج الصراع ويجعل الأمل فى الحل بعيدا، محذرا فى هذا الصدد من أن مصير ليبيا يكون مثل مصير الصومال، أما خارجيا فأشار إلى وجود أطراف معروفة عربية وإقليمية ودولية تلعب فى أمن ليبيا وهو ما يعطل العملية السياسية بالبلاد.

وأشار السفير أشرف عقل إلى أن حكومة الوفاق الوطنى المدعومة من الأمم المتحدة يمكنها تجاوز المعضلات المتعلقة بالدستور، لافتا إلى ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار بين المليشيات المتناحرة فى طرابلس وغيرها ووضع ترتيبات أمنية لتثبيت الأمن والاستقرار فى طرابلس أولا.

وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة ضد من يحمل السلاح فى طرابلس ومصراتة والزاوية والجنوب..معربا عن أمله فى تمكن ليبيا من لملمة شتاتها والوصول إلى تسوية وتحقيق الاستقرار الأمنى والسياسى فى القريب لأن ذلك يؤثر على أمننا واستقرارنا بصورة مباشرة.

ومن ناحية أخرى، ونظرا لعدم ظهور بريق أمل فى الأفق يشير إلى انفراجة قريبة، استبعد وزير الخارجية الأسبق محمد العرابى- فى تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط- نجاح الوصول إلى حل للأزمة الليبية فى الوقت القريب، معتبرا أن الأجواء غير مناسبة على الإطلاق حاليا لأن الأرض مبعثرة وفِى أيدى أطراف كثيرة وليست هناك سيطرة كاملة عليها.

وأكد العرابى أن الأزمة الليبية دخلت منحنى صعبا وخطيرا بحيث أن كل الوسائل والاقتراحات الموجودة لدى الدبلوماسيين والمخططين قد تعجز عن الوصول إلى حل نظرا لأن الأطراف الموجودة على الأرض بعيدة تماما عن فكرة التقارب مع بعضها البعض أو تقديم تنازلات وأن تكون أكثر مرونة، فكل طرف متغطرس فى موقعه أو فى موقفه، "وبالتالى فأنا أرى أن عملية الوصول إلى حل فى ليبيا أمر صعب جدا فى المرحلة الحالية".

وأضاف أن الحل السياسى هو الطريق الوحيد أمامنا والذى نمتلكه فى أيدينا، "ولكن فى النهاية لا أحد يتوقع أن نصل إليه خلال مرحلة قريبة، فهذا الموضوع سيطول كثيرا لأن حتى فكرة إقناع الأطراف الليبية أن الحل السياسى هو الأمثل لازالت غير موجودة بسبب تلقى تلك الأطراف الموجودة على الأرض لدعم ومساعدات من جهات خارجية وبالتالى تنشطها وتجعلها أكثر إصرارا على موقفها"، وقال أن مصر تلعب دورا كبيرا فى التمهيد للوصول إلى حل الأزمة الليبية الذى هو فى أيدى الليبيين أنفسهم وعلينا الاستمرار والمحاولة فى طريق الحل السياسى.

وأجمع المراقبون على أن محاولات إدخال مبادرات جديدة لحل الأزمة الليبية بهدف الخروج عن المسار الأممى أو لضياع الوقت أو إلهاء مصر عن ليبيا لن تنجح، فمصر لم ولن تتوقف عن العمل على تسوية شاملة لهذه الأزمة، لأنها لن تقف مكتوفة الأيدى أمام تفاقم ظاهرة الميليشيات المسلحة والاقتتال فيما بينهم وانتشار السلاح والتهريب وانتقال المقاتلين الأجانب من وإلى ليبيا والهجوم على المنشآت النفطية، مما يمثل تهديدا مباشرا لدول الجوار الليبى وعلى رأسها مصر حيث الحدود المشتركة الشاسعة.

وعما إذا كانت تمثل تلك الحدود ووجود إرهابيين مدعومين بأموال وأسلحة من دول خارجية بليبيا، تهديدا للأمن القومى المصري.. يقول السفير محمد العرابى أن الوضع فى ليبيا بالتأكيد يمثل قلقا للأمن القومى المصرى ولكن لا نستطيع القول إننا مهددون لأننا قادرون على وقف أى قلق أو تهديد، وفد نجحنا بالفعل فى ذلك حتى الآن، حيث أن الفوضى العارمة الموجودة داخل ليبيا لم تفيض ناحية حدودنا بفضل سياستنا الصارمة فى هذا الاتجاه.

وبدوره، يرى السفير يوسف الشرقاوى أن أى أحداث تقع من حين لآخر من شأنها انتهاك الأمن القومى المصرى، تتعامل مصر معها بمسئولية كما حدث من قبل مع قتل مواطنين مصريين، حيث جاء رد الجيش المصرى حازما وسريعا بما يحقق الأمن القومى المصرى وكذلك الليبى، وأضاف "لن نقف مكتوفى الأيدى أمام هذه البؤر الإرهابية فى أراض مجاورة لمصر تنتهك الأمن القومى لمصر..فجيشنا يرد على كل من تسول له نفسه فى أن يفكر المساس بأمننا".

وتستمر السياسة الخارجية المصرية فى التعاطى مع الأزمة الليبية وفق لثوابتها الراسخة مع كل أزمات المنطقة وهى عدم التدخل فى شئون الدول، وعدم التآمر على أحد، والعمل على الحفاظ على وحدة الدول العربية.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة