"حلم سعيد طالما راودنى منذ بداية عملى فى مجال الحفريات الأثرية أن أعمل فى المعبد الفرعونى التاريخى الذى يعرفه العالم أجمع، وتلك هى المرة الأولى التى ترسل فيها جمهورية الصين الشعبية فريقا أثريا لجمهورية مصر العربية للقيام بأعمال الحفائر والترميم والتطوير لمعبد فى معابد الكرنك بمحافظة الأقصر، وأتمنى المساهمة فى اكتشاف التاريخ الفرعونى".. بتلك الكلمات تحدث "جيا شياو بينغ" رئيس البعثة الأثرية الصينية التى تعمل لأول مرة فى تاريخ الأثريين الصينيين داخل مصر.
ويضيف رئيس البعثة الأثرية الصينية فى لقاء خاص بـ"اليوم السابع"، أنه عمل من قبل نائباً لمدير قسم علم آثار ما قبل التاريخ بمعهد الآثار التابع للأكاديمية الصينية للعلوم الاجتماعية وشارك فى عدد من البعثات الأثرية لمختلف دول العالم مؤخراً، مؤكداً على أن ذلك التعاون المشترك تم بعد زيارات متكررة بين الجانبين المصرى والصينى، حيث أن جمهورية الصين عرضت على مصر خبرات الأثريين الصينيين فى مجالات الحفائر والترميم والدراسات الأثرية فى مواقع مختلفة فى الصين وفى دول أخرى فى آسيا وأمريكا الوسطى والجنوبية.
ويوضح "جيا شياو بينغ" رئيس البعثة الأثرية الصينية فى الأقصر، أنهم انطلقوا بالفعل فى الإشراف على أعمال إزالة الحشائش والحلف من أرض المعبد وتم عمل كردونات للقطع المتناثرة حول المعبد لجمعها ووضعها على مصاطب ودراسة وتجميع وترميم كل قطعة بصورة تعيدها لموقعه الأصلى، موضحاً أن فريقه الأثرى يتكون من 4 علماء آثار و3 خبراء بالتناوب وسيتم القيام بعمل فحص كامل للتوصل لتفاصيل تصميم الهيكل الخاص بالمعبد، كما أنهم سيقومون بالعمل فيما بعد بالتنقيب الأثرى داخل المعبد وذلك فى مرحلة أولى لا تزيد عن 3 شهور، يتم خلالها العمل فى حفريات تجريبية حول "معبد مونتو" للتوصل لعمر المعبد بالكامل وكافة المعلومات الخاصة به، وقاموا باستئجار ورشة بجوار معابد الكرنك تكون قريبة من منطقة التنقيب والحفر لخدمة البعثة الصينية الاولى بصورة جيدة خلال الفترة المقبلة.
وعن شعوره الشخصى بالعمل لأول مرة فى معابد الكرنك فى الأقصر قال "جيا شياو بينغ": "أشعر بسعادة كبيرة لعملى فى صرح فرعونى تاريخى لأول مرة فى حياتى ونأمل بأن تكون البعثة لها نجاحات كبيرة فى مجال الحفريات والتنقيب، فالعمل فى معبد الكرنك هو حلم جميل لى ولجميع أعضاء فريق العمل بالبعثة، ونعتزم أن نساهم فى إثراء الحضارة الفرعونية بكل قوة خلال الشهور المقبلة بمراحل العمل المختلفة داخل معبد مونتو، ورجال الآثار المصريون يقدمون لنا كافة أوجه الدعم وتسهيل عمل البعثة الصينية الأولى بمصر".
وعن الأزمات التى ستواجههم خلال العمل فى معبد مونتو بالكرنك، قال رئيس البعثة الأثرية الصينية أنهم قاموا بتجميع المادة الخاصة بالمعبد من المراجع والنشرات العلمية، ولدى الوصول لمعبد مونتو بالكرنك وجدوا أن المشهد الأثرى معقد قليلاً عما كانوا يتخيلون، وذلك نظراً لوجود عدة عوامل متداخلة بموقع المعبد والحفائر داخله، ولكن سيتم التعاون مع الجانب المصرى والعمال لتذليل تلك العقبات والبدء فى أنسب مكان منظم بالحفائر داخله، كما أن البعثة الصينية تواجه نقص فى طرق المسح ورسم الخرائط المتقدمة التى يستخدمونها فى الصين لكونها ليست متواجدة فى مصر ولذلك فإن أعمال المسح ورسم الخرائط ستتأثر بذلك الأمر، مشدداً على أن التعاون مع رجال وخبراء الآثار المصريين سيكون له مكاسب عديدة للتوصل لكواليس وأسرار الحضارة الفرعونية والحضارة الصينية للمساهمة فى الترويج المشترك لهما حول العالم، قائلاً: "مصر تعتبر من أهم وأقدر الحضارات التاريخية حول العالم لما بها من تراث مازال متوجد ويتم الحفاظ عليه من الحكومة المصرية بصورة مميزة للغاية، وعملنا فى المعبد جزء من الحفاظ على التاريخ الفرعونى لملوك الفراعنة".
أما الدكتور مصطفى الصغير، مدير عام آثار الكرنك والمشرف من الجانب المصرى على عمل البعثة المصرية الصينية، أن وزارة الآثار والمجلس الأعلى للآثار يقدمان كافة الدعم والتسهيلات اللازمة لفريق البعثة الصينية مع بداية عملهم بمعبد مونتو بالكرنك، مؤكداً أن الجميع بالآثار المصرية يأملون بأن يتمكن الفريق الصينى بتقديم كل ما لديهم لإعادة إحياء معبد مونتو والذى يتم العمل فيه لأول مرة بالأقصر، مؤكداً على أن هذا التعاون المصرى الصينى يساهم فى رفع مستوى العلاقات بين الدولتين التاريخيتين إلى مستوى الشراكة الاستراتيجية الشاملة التى انطلقت فى عام 2014.
ويوضح الدكتور مصطفى الصغير فى لقاؤه لـ"اليوم السابع"، أن رجال الآثار بالكرنك ووزارة الآثار سيقدمون كل ما لديهم من خبرات فى الحفائر والتنقيب فى معابد ومقابر الفراعنة منذ قديم الأزل حتى الآن، لكافة أعضاء البعثة الصينية لدعمهم بكافة وسائل القيام بالحفر والاكتشافات المميزة بالمعابد المصرية، أن أول بعثة صينية أثرية فى مصر بدأت عملها رسمياً داخل معبد مونتو شمال الكرنك والذى تم اكتشافه فى عام 1925، وستقوم بأعمال الحفائر العلمية والترميم التوثيق للمعبد وعمل المسح الآثرى للجدران والكتل الحجرية داخله، موضحاً أن عمل البعثة جاء بناء على اتفاقية التعاون التى وقعها الدكتور خالد العنانى وزير الآثار مع مدير معهد الآثار الصينية للعلوم الاجتماعية فى شهر أكتوبر الماضى، مؤكداً أن الصينيين يحملون خبرات واسعة فى مجال الحفائر.
وأكد مدير عام آثار الكرنك الدكتور مصطفى الصغير، أن البعثة الصينية ستكون بداية فعلية لعمل رجال الصين فى مصر خلال الفترة المقبلة وذلك عقب الزيارات المتكررة للرئيس الصينى ونائبه والوفود الصينية الرسمية لمصر مؤخراً، كما تهدف إلى دفع ودعم الأنشطة الثقافية والتعليمية والأثرية بهدف رفع الوعى بالتراث الثقافى المصرى والصينى وحمايتهما والحفاظ عليهما، والتشجيع على تجديد وتشكيل البعثات المناسبة للبحوث والحماية والتقييم والنشر وغير ذلك من فرص التعاون المشتركة فى مجال حماية التراث الثقافى، حيث أن الفريق الأثرى الصينى هو الأول الذى يعمل فى مصر، قائلاً: "لقد شرفت خلال وجودى فى العمل داخل مكتب وزير الآثار، وزرت جمهورية الصين الشعبية ضمن الوفد الرسمى المتجه للصين من الوزارة لمناقشة سبل التعاون المشتركة، وتم بالفعل اختيار معبد مونتو لبدء عمل أول بعثة آثرية صينية داخل معابد الكرنك أهم منطقة آثرية متواجدة فى محافظة الأقصر وفى مصر، ويتركز عمل البعثة الصينية خلال الفترة المقبلة على عمل النظافة العامة للموقع من الحلف والأشواك، ثم مسح آثرى كامل للموقع لبيان الحدود الرئيسية للمبانى ودراسة لكافة الكتل الموجودة بالمعبد وإعادة تركيبها بأماكنها الأصلية، بجانب توثيق كل قطعة بالمعبد من نقوش ومبانى وإجراء حفائر علمية لإكتشاف تاريخ معبد مونتو منذ إنشاؤه حتى الآن".
وأستطرد الدكتور مصطفى الصغير، أن تلك الخطوة هى الأول لخدمة التاريخ الفرعونى من البعثات الآثرية الصينية ولن تكون الأخيرة، حيث أن وزارة الآثار بقيادة الدكتور خالد العنانى تسعى لفتح سبل التعاون مع الدول المتميزة فى مجالات الحفائر وتطوير المعابد الفرعونية، وجاءت أعمال تلك البعثة بعد زيارة الرئيس الصينى لمحافظة الأقصر برفقة الرئيس عبد الفتاح السيسى رئيس الجمهورية، وخلال الزيارة الأخيرة لنائب الرئيس الصينى لمصر ومعابد الأقصر المختلفة، ويعتبر "مونتو" إله الحرب عند الفراعنة ويرمز له بالصقر فب النقوش على الجدران بمعابده المختلفة، حيث يعتبر "مونتو الصقر" هو الحامى لمنطقة طيبة، وحامى عدد كبير من ملوك الأسرة الحادية عشر، وأعتبره المصريون إله الحرب وشيدت له عدة معابد أرمنت والطود وآخر بالكرنك وكذلك بمنطقة المدامود، ومعبد "مونتو" بالكرنك عبارة عن مقصورة بناها الملك تحتمس الثالث وهو قريب من معبد بتاح، فهو عبارة عن هيكل متهدم يحيط به سور، فتلك المقصورة ترتفع على جدار مكسو بصفائح مربعة وبه بقايا نقوش مميزة على الحوائط.
ويوضح مصطفى الصغير أن معابد الكرنك تعد مملكة تاريخية كبرى تضم عددًا كبيرًا من المعابد والمقصورات والأعمدة والمسلات وغيرها من التاريخ الفرعونى القديم ما زالت قابعة منذ آلاف السنين، وتعتبر الأعظم فى تاريخ القدماء المصريين، حيث أن أعمال التشييد التى أجريت داخله استمرت لأكثر من 1500 عام، وسمى معبد الكرنك بهذا الاسم بعد الفتح الإسلامى لمصر، حيث أن كلمة "الكرنك" تعنى الحصن أو المكان الحصين، ومدخل المعبد عبارة عن "طريق الكباش" الملىء بتماثيل لحيوان كان رمزاً للقوة لدى الفراعنة، والطريق الذى يتوسط التماثيل هو الطريق الرئيسى المؤدى للمعبد، وترجع شهرة الكرنك إلى كونه فى الحقيقة مجموعة من المعابد المتعددة التى بنيت بدايةً من الأسرة الـ11 حوالى فى العام 2134 ق.م على مساحة 63 فدانًا، عندما كانت طيبة مركزًا للديانة المصرية، وهذه المعابد المحاطة بأسوار من الطوب اللبن ترتبط ببعضها البعض من خلال ممرات تحرسها تماثيل متراصة على صفين لأبى الهول، تبلغ مساحة معبد آمون 140 مترًا مربعًا، وهو مزود بقاعة ضخمة لها سقف محمول على 122 عمودًا بارتفاع أكثر من 21 مترًا ومصطفة فى 9 صفوف، هذا غير النقوش البارزة على الأعمدة والبوابات العملاقة والمسلات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة