من منا لم يقرأ رواية ولم يتأثر بإحدى شخصياتها، وما أكثر هذه الروايات التى تقدم لنا شخصيات إما تحرضنا على المغامرة أو التأمل وحب الحياة، أو تلك التى نشعر معها بالمعاناة، ونتألم لألمها ونتوحد معها، حتى نفتح باب رواية أخرى فتأخذنا إلى عالم آخر، ونستمر فى رحلات لا حصر لها، نتنقل بين البهجة والألم، لكن هذا يعنى أن الأدب يحرضنا على الانتحار؟.
هذا السؤال سوف يتبادر إلى أذهاننا ونحن نقرأ العديد من التدوينات التى بزرت على موقع التواصل الاجتماعى "فيس بوك" بالأمس، واليوم، ونحن نتألم لقيام الطبيب النفسى إبراهيم أحمد، بالإقدام على خطوة الانتحار، وإنهاء حياته، خاصة حينما نتوقف أمام أحد الاقتباسات التى نشرها من إبداعات الكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد، من كتاب "قصاصات قابلة للحرق"، والتى يقول فيها: "بلغ حالة من الإحباط أورثته ارتخاء عضليا حتى أنه لو قرر الانتحار لما وجد القدرة على رفع قدمه فوق سور الشرفة".
إن السؤال الذى قد يتبادر إلى ذهنك كقارئ محب للآداب العربية والعاليمة، سوف يجعلك تقف أمام هذا الاقتباس، متسائلا: هل تعد قراءة أدب أحمد خالد توفيق خطرا أو محرضا لمن يشعرون بالاكتئاب؟
قبل أن نجيب على هذا السؤال، والذى نتوقع أنه سيكون مثار جدل وسخرية ونقم من عشاق الأديب الراحل أحمد خالد توفيق، والذى كنا نتمنى لو كان بيننا ليجيب بنفسه، وليعلق على هذا الموقف، فإن لدينا الكتاب نفسه، وما يذكره فى مقدمته، إذ يقول:
عندما تقلب فى أوراقك القديمة تجد الكثير من الهراء.. كثيرا من الكلام الفارغ الذى لا رأس له ولا ذيل، وبعضه ينم عن سخف أو سذاجة بالغة أو تفاؤل مضحك، أو ثقة بالنفس غير مبررة أو شعور بالضعة لا داعى له، مصداقا لقصيدة قديمة للشاعر نزار قبانى، يقول فيها: أتلو رسائلنا فتضحكنى.. أمثل هذا السخف قد كنا؟
هذه القصاصات قد تروق للبعض.. برغم كل شىء هى جزء من ذاتك وأحلامك وإحباطاتك.. برغم كل شىء هى أنت.. ربما لا تصلح إلا للحرق، لكن غيرك قد يجد فيها قصاصة واحدة، جملة واحدة، كلمة واحدة تستحق أن تعيش.. ومن ثم كان هذا الكتاب.
وفقا لهذه الرؤية، قدم الكاتب الراحل الدكتور أحمد خالد توفيق، هذه القصاصات التى دونها عل القارئ يجد فيها عبارة "تستحق أن تعيش" بدلا من أن تلقى مصيرها الأخير وهو "الحرق" أو "الموت".
فى كتابه "قصاصات قابلة للحرق" قدم أحمد خالد توفيق، العديد من القصاصات سواء المتعلقة بالسياسة، أو الطب، أو الحياة بشكل عام، يقدم فيها أحيانا رؤية ساخرة من تلك النظرة السوداء للحياة، أو رؤية أخرى تدفعك للنظر فى الجانب الآخر لرؤية النور فى حياتك، وما أكثر هذه الأمثلة، ولننظر معا لما يقول، ولا شك أن سوف تتذكر هذه الاقتباسات التى رأيتها على صفحات مواقع التواصل الاجتماعى كثيرا:
لا أخاف الموت.. أخاف أن أموت قبل أن أحيا.
هذا البائس لم يؤت قدرات توازى أحلامه.. لم يؤت عقلا يناسب جسده.. ولم يؤت جيبا فى سعة قلبه.
هذا الأحمق يتمادى فى طموحاته.. تصوروا أن هذا الساذج يريد أن يعيش؟
أرجو أن تخفض الإضاءة.. فهذا يضفى على الحجرة جو الكآبة الذى أرجوه.
أمقت المريض والصديق الذى لا يخبرك إلا بأخبار سيئة.. فقط.. يقول لك إن الحمى عادت.. إذن هى كانت قد زالت فلماذا لم تقل لى؟.
الثقة بالنفس كلام فارغ.. سوف يدهشك كم الأشياء التي لا تعرفها أو لا تجيدها.. المهم أن تثق بقدرتك على أن تكون أفضل.
قصاصات كثيرة، سوف تجد ما أن تكتب على محرك البحث "قصاصات قابلة للحرق"، أو اقتباسات أحمد خالد توفيق، سوف تجد ما يناسب حالتك النفسية، فتختاره بكامل وعيك وإرادتك، فإذا ما شعرت بحب الحياة، والإصرار على الكفاح، ستجد ما يناسب، وإذا ما شعرت بأن الحياة تكالبت عليك بمشكلات لا حصر لها، ستجد ما يجعلك صديقا مخلصا للكآبة، فى النهاية "القرار قرارك أنت" فالأدب فى النهاية يحرضنا على التأمل.
ندرك جميعا حجم الألم الذى تصل إليه روح الإنسان إذا ما سيطر عليه الاكتئاب، ولم يجد من يأخذ بيديه إلى النور والأمل، كما ننبذ تلك الأحكام التى يطلقها هؤلاء الذين ينزعون الرحمة من قلوبهم حينما يسمعون نبأ انتحار شخص ما، لكننا فى النهاية، لا نملك شيئا إلا الدعاء بالرحمة للكاتب أحمد خالد توفيق، والطبيب إبراهيم أحمد.
عدد الردود 0
بواسطة:
تشي المصري
عرابي وابي الروحي
الدكتور اكتر واحد عبر عنا ...اتعلمنا واتربينا علي ايده ...السهل الممتنع ...ربنا يرحمه وادامه الله في قلبي حي هو وابطاله