"جرح لم يلتئم بعد".. هل يعيد جبل طارق أوروبا إلى زمن الصراع؟.. إسبانيا تعيد إحياء شبح الصراعات التاريخية بعد رفضها "بريكست" دون تغيير وضع الجزيرة.. وانهيار الاتحاد الأوروبى قد يكرس خريطة جديدة للقارة العجوز

الخميس، 22 نوفمبر 2018 01:30 م
"جرح لم يلتئم بعد".. هل يعيد جبل طارق أوروبا إلى زمن الصراع؟.. إسبانيا تعيد إحياء شبح الصراعات التاريخية بعد رفضها "بريكست" دون تغيير وضع الجزيرة.. وانهيار الاتحاد الأوروبى قد يكرس خريطة جديدة للقارة العجوز إسبانيا تعيد إحياء شبح الصراعات التاريخية بعد رفضها "بريكست"
كتب - بيشوى رمزى

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

يبدو أن القرار الإسبانى بعدم التصويت لصالح اتفاقية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى، ما لم يتغير نص يتضمنه الاتفاق بخصوص جزيرة جبل طارق، بمثابة إحياء لإرث طويل من الصراعات الأوروبية – الأوروبية التى دامت لعقود طويلة من الزمن، ربما ساهم ظهور الكيان الأوروبى المشترك فى احتوائها والتغطية عليها، خاصة وأن التصريحات التى أدلى بها رئيس الوزراء الإسبانى بيدرو سانشيز تعيد إلى الأذهان الخلافات الحدودية العميقة بين لندن ومدريد والتى استمرت لقرون.

 

ويمثل حديث الحكومة الإسبانية بمثابة جرس إنذار حول التداعيات المرتقبة لانهيار الاتحاد الأوروبى، والذى يواجه تهديد وجودى يتمثل فى بزوغ نجم التيارات القومية ذات النزعة اليمينية، فى العديد من دول القارة، وهى التيارات المعروفة بمناوئتها للكيان الأوروبى، بالإضافة إلى الحرب الشرسة التى يواجهها دعاة الوحدة الأوروبية من قبل الرئيس الأمريكى دونالد ترامب، والذى يبقى مناهضا له، بالإضافة إلى الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، والذى يحظى بعلاقات قوية مع التيارات اليمينية فى القارة العجوز، حيث لن تقتصر تلك التداعيات على مجرد العلاقات الثنائية بين دول القارة، وإنما قد تمتد إلى مخاطر الانقسام التى قد تضرب دولها، إذا فشلت فى حل صراعاتها.

 

جزيرة جبل طارق
جزيرة جبل طارق

 

صراعات تاريخية.. جبل طارق مطمع أوروبا

ولعل خطورة المنطقة التى أشار لها رئيس الوزراء الإسبانى لا تقتصر بأى حال من الأحوال على العلاقات الثنائية بين إسبانيا وبريطانيا، وإنما سوف تمتد إلى العديد من الدول الأخرى، التى سبق لها وأن تصارعت على الاستيلاء على تلك المنطقة، خاصة إبان الحرب العالمية الثانية، حيث سعى زعيم ألمانيا النازية أدولف هتلر إلى تحقيق هذا الهدف، بسبب الموقع الاستراتيجى للمنطقة، حيث أدرك أن السيطرة على جبل طارق هو السبيل الوحيد لمنع البريطانيين من الوصول إلى البحر المتوسط.

 

هتلر وفرانكو
هتلر وفرانكو

 

وبالفعل شرع هتلر فى تحقيق هذا الهدف، وتحركت قواته إلى المنطقة عبر الأراضى الإسبانية، على اعتبار أن الخطوة ستنال مباركة حليفه فى ذلك الوقت الديكتاتور الإسبانى فرانكو، إلا أن الصدمة جاءت من الحليف، والذى التزم الحياد أثناء الحرب العالمية الثانية، إلا أن فرانكو أعاد إثارة القضية بعد انقضاء الحرب، مطالبا بأحقية إسبانيا فى السيادة على تلك المنطقة فى عام 1950، ليستمر التوتر على الحدود الإسبانية البريطانية حتى انعقاد استفتاء داخل الجزيرة اختار خلاله سكانها البقاء تحت السيادة البريطانية.

 

ولكن بالرغم من ذلك، بقيت الجزيرة أحد القضايا المثيرة للجدل فى العلاقات بين البلدين، وهو ما بدا واضحا فى مقاطعة ملك إسبانيا خوان كارلوس وزوجته صوفيا لزواج ولى العهد البريطانى الأمير تشارلز من الأميرة ديانا فى عام 1981، بسبب إعلانهما قضاء شهر العسل فى الجزيرة، وهو ما يمثل انعكاسا صريحا استمرار الخلاف حول السيادة على المنطقة.

 

زفاف تشارلز وديانا
زفاف تشارلز وديانا

 

جرح لم يلتئم.. انهيار الاتحاد الأوروبى يعيد شبح الحرب

وهنا يصبح الحديث الإسبانى حول عدم قبول أى اتفاق بشأن "بريكست" دون تغيير الأوضاع المتعلقة بالمنطقة المثيرة للجدل، بمثابة امتداد لصراع تاريخى، ربما يمكننا تسميته بـ"الجرح الذى لم يلتئم بعد"، حيث كان ظهور الاتحاد الأوروبى بمثابة "مسكن" اختفت وراءه الخلافات الأوروبية ولكنه لم يقدم حلولا جذرية لها، وهو الأمر الذى من شأنه إثارة مخاوف كبيرة فى حالة اتخاذ دول أخرى قرارات بالخروج من الكيان الأوروبى، حيث أن ذلك ربما يؤدى إلى إحياء خلافات قديمة، خاصة فيما يتعلق بالحدود، وربما يعيد صراع الامبراطوريات التى دفعت القارة نحو الحروب لعقود طويلة من الزمان.

 

رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى تستمع إلى نظيرها الأسبانى
رئيسة الوزراء البريطانية تيريزا ماى تستمع إلى نظيرها الإسبانى

 

وتعد أبرز الصراعات التى ربما تثور فى المرحلة المقبلة داخل القارة العجوز النزاع على منطقة روكال بين بريطانيا وأيرلندا والدنمارك، وكذلك النزاع على جزر فوكوفار بين صربيا وكرواتيا وصراع آخر بين كرواتيا والجبل الأسود على منطقة بريفلاكا، وهو الأمر الذى يمثل تهديد صريح لاستقرار القارة العجوز، حيث أن مثل هذه النزاعات ربما تفتح الباب أمام حقبة جديدة من الصراع على غرار ما شهدته لعقود من الزمن فى ظل عصر الإمبراطوريات القديمة.

 

استقلال اسكتلندا.. هل تدشن إسبانيا حقبة أوروبية جديدة؟

إلا أن الأمر الأكثر خطورة فيما يتعلق بقضية الجزيرة البريطانية، يتمثل فى التلويح الإسبانى بإمكانية انضمام اسكتلندا إلى الاتحاد الأوروبى حال استقلالها عن بريطانيا، وهو ما يمثل استفزاز صريح من قبل الحكومة الإسبانية لنظيرتها البريطانية، خاصة وأنها تدرك أن مسألة خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبى تثير امتعاض الحكومة الاسكتلندية والتى ترغب فى البقاء فى عضويته، وهو ما يمثل تحريض ضمنى لعقد استفتاء جديد للانفصال عن بريطانيا، وهو الأمر الذى يعد بمثابة تهديدا مباشرا للحكومة البريطانية.

 

مؤيدو الاستقلال فى اسكتلندا يحملون أعلام كاتالونيا
مؤيدو الاستقلال فى اسكتلندا يحملون أعلام كاتالونيا

 

ولعل التحريض الإسبانى يمثل بادرة جديدة، خاصة وأن القضية تمثل أحد قضايا الأمن القومى البريطانى، كما أنه قد يفتح الباب أمام خطاب مماثل من قبل الحكومة البريطانية، فى ظل استمرار كابوس انفصال كاتالونيا، فى ظل رغبة سكان الإقليم فى الاستقلال عن السيادة الإسبانية، وهو ما يمثل سببا رئيسيا فى المشاحنات التى تثور بين الحين والآخر بين السلطات وسكان الإقليم الذين يحتشدون للتظاهر.

 

وهنا تثور التساؤلات حول ما إذا كان انهيار الاتحاد الأوروبى سيؤدى إلى تحويل القارة من سياسات التكامل السياسى والاقتصادى، إلى فصل جديد تسود فيه ما يمكننا تسميته بـ"سياسات إضعاف الجار"، والتى قد تؤدى إلى إعادة صياغة ليس فقط العلاقات الأوروبية، ولكن ربما تمتد إلى إعادة رسم خريطة القارة من جديد.

 










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة