إذ كنت من جيل الثمانينيات، فعلك تتذكر جيدًا، برنامج "العلم والإيمان" لمقدمه الدكتور مصطفى محمود، وتتذكر كم المعلومات التى طرحها المفكر الراحل وحاول الراحل الربط بين ما يعرضه مع إعجازات واكتشافات كونية، وبين الدين والقرآن الكريم.
وتحل اليوم الذكرى التاسعة، على رحيل الدكتور مصطفى محمود، إذ رحل فى 31 أكتوبر 2009، ويعد الراحل واحد من هولاء الكتاب والمفكرين، المثيرين للجدل، فى حياته ومماته، فالمفكر الراحل الذى قدم عدد من الأعمال الأدبية البعيدة عن الفكر الدينى مثل "شلة الأنس، الإسكندر الأكبر، رجل تحت الصفر، الزلزال" فى بداياته، لكنه تحول سريعا، وقدم كتابات صنف على أساسها كاتب الإسلامى، مثل "حوار مع صديقى الملحد، الله، الشفاعة".
وربما كان تعدد أعمال الراحل ما بين الدراسات والأفكار الدينية، والأعمال الأدبية، سببًا فى تلك الجدل، فالبعض اعتبر الراحل كاتبًا تنويرًا حاول صياغة الأفكار الدينية بما يتناسب مع الاكتشافات العلمية الحديثة، وآخرون يرون إنه كان رجعيا، يربط بين القرآن وثوابت الدين، وبين العلوم التى تتغيير من عصر لعصر، بينما يرى فريقا آخر بأنه ما قدمه الراحل، كان مناسبا لمفاهيم العصر التى تواجد فيه.
وفى هذا الشأن استطلعنا رأى عدد من النقاد، حول رؤيتهم لتجرية الدكتور مصطفى، وما إذا كان مجددا قدم أفكار مختلفة، أم إنه كان يملك أفكار رجعية.
حسين حمودة
قال الدكتور حسين حمودة، أستاذ الأدب العربى الحديث، بكلية الأدب جامعة القاهرة، إن تجربية مصطفى محمود، تستحق التوقف عندها وتأملها، واستكشاف ابعدها الشخصية وغير الشخصة.
وأضاف "حمودة" فى تصريحات خاصة لـ"اليوم السابع" أنه من المعروف أن هذه التجربة مرت بتحولات لافتة من بدايتها إلى نهايتها، البداية ارتبطت بكاتب ليست له توجهات دينية، وكان عنده اهتمام بالأدب، وفى هذه المرحلة كتب مثلا مجموعته "شلة الأنس"، ثم كانت كتابته التالية التى حاول فيها أن يفند آراء تتصل بالإلحاد وإنكار الدين.
وتابع الدكتور حسين حمودة: ثم كانت المرحلة المهمة التى صاغت شهرة مصطفى محمود، وارتبطت بحضوره الإعلامى الواسع من خلال برنامنجه التليفزويونى "العلم والايمان"، وهذه المرحلة سعى فيها إلى المزاوجة بين الحقائق العلمية من جهة والتصورات الدينية من جهة أخرى، وهى محاولة تثير الكثير من التساؤلات حول المعارف التى وصل إليها الإنسان خلال أدوات العلم ومناهجه الموضوعية والعقلانية الباردة من جهة، والتصورات الدينية التى تنبنى على إيمان الإنسان وتسليمه بالتصورات الدينية من ناحية أخرى، وفى هذه الوجه سوف يسير دعاه آخرون، وسوف تتوالا محاولات متعددة، وكلها تحرك اسئلة حاول الكيفية التى يمكن خلالها أن يرتبط الدين بالعلم وبوجوه الحياة المعاصرة بشكل عام.
واختتم "حمودة": والمؤكد أن تجربة مصطفى محمود كلها، بتحولاتها وبتوجهاتها، تحتاج إلى دراسة وتأمل لاكتشاف جوانبها المتعدة.
صلاح السروى
من جانبه قال الدكتور صلاح السروى، إنه يعتبر مصطفى محمود جزءا ممن يسموه مرحلة الصحوة الإسلامية، وهى مرحلة إحياء أو تديين العالم، وهو كان جزء من مخطط عالمى تقوم عليه الولايات المتحدة وبريطانيا لمواجهة خطر الشيوعية، كما كان لظهور بعض التيارات الإسلامية فى عهد الرئيس الأسبق السادات، سببًا فى ظروف الدراسات الإسلامية مثل علم النفس الإسلامى وعلم الاجتماع الإسلامى، والإعجاز العلمى فى القرآن الكريم.
وأضاف "السروى" إن مصطفى محمود حاول استغلال صفته كطبيب، ومعرفته بالعلوم، من خلال تصوير الاكتشافات العلمية، وتفسير بما جاء فى القرآن، وذلك فى كتابه " القران محاولة لفهم عصرى"، وهو يشبه لما قام به الإمام محمد عبده، لكن الأخير كان يرى أن القرآن والعلم يتوافقان مع العصر، بينما يرى مصطفى محمود بأن العلم لا يتجاوز القرآن، بينما الاثنين متماشيان معا، وهى محاولة لتبرير الإيمان بالاكتشافات العلمية.
ويرى أستاذ الأدب العربى الحديث، بكلية الآداب، جامعة حلوان، بأنه يعتبر مثل هذه الأمور، نصب وتشبه الشعوذة، وذلك لأن العلم متغير، وقد يتغير من عصر لعصر، بينما من المفترض بأن القرآن ثابت ولا يتغير، مشيرًا إلى أن مصطفى محمود كان جزءًا من مرحلة يتمنى أن تكون أنقضت، مرحلة محاولة أخوانة وسالفنة المجتمع المصرى.
مروة مختار
بينما قال الدكتورة مروة مختار، أستاذ الأدب، ورئيس مركز الدراسات الثقافية، إن وصف الدكتور مصطفى محمود فى كثير من الكتابات بالمفكر المثير للجدل، وأظن أن كلمة المفكر لها أبعاد مغايرة، فقد أعتدنا أطلاقها على كثير من الكتاب.
وتابعت "مروة" أن مصطفى محمود كاتب له خط يميزه مر بمراحل فكرية شديدة التباين انعكست على مؤلفاته، فبدت للقارىء أنها محل جدال فى حياته وبعد رحيله.
وأوضحت الدكتورة مروة مختار، أن كتابات مصطفى محمود دوما بين رفض وتأييد، رفضت من تيارات متباينة مثل التيار المدنى، والتيار الإسلامى، فالتيار الأخير رفض بعض مقالاته وكتبه قبل رحلته من الشك الى اليقين، ووصولاً إلى كتاب الشفاعة، والتيار المدنى بعضه رفض فكرة ربط العلم بالدين من خلال بعض كتاباته وبرامجه فيما يتعلق بالكائنات الحية وظواهر العالم من حولنا بالإضافة إلى محاولته الكتابة عن النفس البشرية من المنظور نفسه.
وأشارت "مروة" أن الاختلاف حوله قديم ومتجدد، والمشكلة تكمن فى مخيلتنا عن صورة الكاتب، فالنظرة التى تصوغها المجتمعات العربية غالبا ماتقترب من فكرة الثبات لا التغير أو التحول الفكرى، وإن وجد فالتعبير عنه ليس مسألة يسيرة مثل كتاب الغرب.
ولفتت الدكتورة مروة مختار: نحن نحاسب الكاتب وفق صورة مرسومة فى مخيلتنا مسبقا عنه منتظرة تلبية طموحات مؤطرة سلفا، فتتحول حالة الحوار بين الكاتب والقارىء إلى شكل من أشكال المحاسبة أو الرقابة ،ظلت هذه الموجات تعترى كتابات مصطفى محمود حتى آخر حياته فكل فكرة يطرحها لها مؤيد ومعارض ومتخصص فى كتابة الرد عليها.
وأتمت "مروة"، أظن أننا بدلا من أن نطرح سؤالا حول إمكانية ملائمة أفكاره لعصرنا التى هى فى أغلبها تعبر عن تجربته ورؤيته وتصوره، أن نتحدث عن متى نضمن سياقات آمنة لمناقشة الأفكار على اختلافها بعيدا عن التهم الجاهزة لمن يخرج عن إطار يرسمه بشر ويضيقه بشر ويجتهد آخر ان يتجاوز فكرة وصاية البشر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة