أعد مركز الدراسات السياسية والإستراتيجية لحزب مستقبل وطن، برئاسة المهندس محمد الجارحى، الأمين العام المساعد لشؤون اللجان المتخصصة، دراسة حول زيارة الرئيس عبد الفتاح السيسى، إلى السودان، ورصد وتحليل أهمية تلك الزِّيارة ودلالاتها ونتائجها الاقتصاديَّة والتجارية، وسبل تعزيز العلاقات المشتركة بين البلدين في عدد من المجالات المختلفة.
وتناولت الدراسة توجه الرئيس عبد الفتاح السيسي، إلى السودان في زيارة رسمية التقي خلالها الرئيس السوداني "عمر البشير"، وتأتى الزِيارَة فى إطار اجتماعات اللَّجنة العُليا المُشتركة بين البلدين على المُستوى الرئاسىّ، والتى تُعدُّ آليَّة من آليَّات الوثيقة الإستراتيجيَّة المُوقعة بين الرئيسين فى أكتوبر 2016، بالإضافة إلى الآليَّات الأخرى التى تتمُّ على المستوى الوزارىّ، ولا شك فى أنَّ المِلفين الأمنىّ والسياسىّ سيكونان حاضرين خلال تلك القِمَّة الرئاسيَّة المِصريَّة السودانيَّة، ولكن يُمكن القول أنَّ تلك القِمَّة اقتصاديَّة بامتياز، حيثُ تحمل التوافق على إنشاء العديد من المَشروعات التى تعود بالنفع على البلدين، مثل: مشروع الربط الكهربائىّ بين البلدين، وبعض المَشروعات التى تتعلق بالأمن الغذائىّ، فضلاً عن مَشروعات الربط بين البلدين بالسكة الحديد، وتعزيز دور القطاع الخاص فى البلدين من أجل النهضة المُستهدفة.
وأكدت الدراسة، أن القمة الرئاسية المصرية السودانية حققت المصالح المشتركة وتساهم في استكمال المشروعات التنموية، فمن المُلاحظ أنَّ العدد القياسىّ للقاءات التى جمعتْ بين قيادتى الدولتين والبالغ 24 لقاء تقريبًا، وفقًا لتصريحات السفير السودانىّ فى القاهرة، والزيارة الرئاسيَّة الرابعة فى إطار الزيارات المُتبادلة بين البلدين منذُ تولى الرئيس "السيسى"، قد ينمُّ عن استهداف الحكُومة المِصريَّة لجمهوريَّة السودان لتكون بوابة ومحورًا أساسيًّا للربط بين مِصر ودول مَنابع النيل وقبلة الدولة المِصريَّة للتواجد فى عمقها الإفريقىّ الذى أهمل لعقود، وتحملت مصر فاتورة هذا الإهمال غاليًا من قبيل تهديد أمنها المائىّ، حيثُ ترفض دول بعض حوض النيل الاعتراف بالحقوق التاريخيَّة لمِصر فى مياه النيل طبقًا لاتفاقيتى 1929، و1959.
وأوضحت الدراسة، أن السودان تتمتع بعَلاقات خاصَّة مع مِصر، تجعل من كل دولة بمثابة "عمقًا وطنيًّا" للدولة الأخرى، لذا حرصت مِصر على توطيد عَلاقاتها مع السودان، من خلال تدشين اللَّجنة الرئاسيَّة العُليا بين مِصر والسودان، والتى انعقدتْ أولى دوراتها بالقاهرة فى أكتوبر 2016، وقد شهدتْ توقيع وثيقة شراكة إستراتيجيَّة تُجسد العَلاقات الوثيقة بين مِصر والسودان، وتأتى الزيارة الحالية بمُناسبة انعقاد الدورة الثانية للجنة الرئاسيَّة العُليا بالخرطوم.
وبالنسبة لأهمية توقيت الزيارات واستهداف رئاسة الإتحاد الإفريقي، ذكرت الدراسة، "أنَّها جاءتْ فى توقيت مهم بالنسبة لمصر التى تستهدفُ رئاسة الاتحاد الإفريقىّ فى دورته المُقبلة، لتدعيم تواجدها على الساحة الإفريقيَّة بصفةٍ مُستمرةٍ ودائمة، وإنهاء فترة التمثيل المِصرىّ الضعيف فى أغلب الفعاليات الإفريقيَّة، ففى آخر ٢٢ قمة لمُنظمة الوحدة والاتحاد الإفريقىّ قبل عام 2011 شاركتْ القيادة المِصريَّة فى خمس قمم منهم 2 فى ليبيا وقمة واحدة فى شرم الشيخ، وواحدة فى نيجيريا، وواحدة فى غانا أكرا، ولم يحضرْ الرئيس الأسبق "مُبارك" أيَّة قِمة لمُنظمة الوحدة الإفريقيَّة منذُ مُحاولة اغتياله بأديس أبابا عام 1995، ولم يحضرْ القِمة الإفريقيَّة/ الهنديَّة، والإفريقيَّة/ التركيَّة، والإفريقيَّة/ الإيرانيَّة، ولم يحضرْ تنصيب رؤساء إفريقيا، وقام بـ 15 زِيارة فقط لإفريقيا فى 30 سنة، زار فيها 10 دول فقط، كما لم تنجح مصر فى استضافة أىّ مقر من مقرات الأجهزة الرئيسة للاتحاد، بالرغم من كونها إحدى الدول الخمس الكبار المُساهمة فى ميزانيَّة الاتحاد، وذلك بسبب غياب الرؤْية المِصريَّة الواضحة تُجاه إفريقيا فلم تجد من يحكم صياغتها، أو يُتابع تنفيذها أو تقويمها، فى ظلِّ ضعف المُؤسسات الرسميَّة، والقيود المَفروضة على تنظيمات المُجتمع المدنى غير الرسميَّة، لذا ظلتْ مِصر بمَعزل عن التفاعلات الإفريقيَّة، بمعيار "التأثير والفاعلية".
وتناولت الدراسة، حدود التحسن في العَلاقات الاقتصاديَّة المصرية السودانية، حيث استهدفت الزيارة الحالية للرئيس "السيسي" دفع العَلاقات التِّجاريَّة الثنائيَّة لنطاق أوسع من خلال تقديم التسهيلات السودانيَّة بكسر الحواجز الجمركيَّة المُرتفعة على الصادرات المِصريَّة، وإلغاء حظر دخول المنتجات الزراعيَّة المِصريَّة للسودان، الذى فرضته الخرطوم منذُ عامين بدعوة أنها غير مطابقة للمواصفات الصحيَّة. وذلك لتعزيز التبادل التِّجارىّ بين البلدين، والذى يشهد ارتفاعًا ملحوظًا خلال السنوات الأخيرة فى ظل عضوية البلدين بمنطقة التِّجارة الحرة العربيَّة الكُبرى.
وتتمثل أهم الصادرات المِصريَّة للسودان فى الحديد، والألومنيوم، والبلاستيك، والأثاث، والسلع الغذائية، والمنتجات البتروليَّة، والأدوية والمصنوعات النحاسيَّة، أما أهم الواردات المِصريَّة من السودان فتتمثل فى الماشية واللحوم، والحبوب والبقول والبذور الزيتيَّة، والقطن.
واختتمت إنه من المُتوقع أن تشهد العَلاقات بين مصر والسودان خلال الفترة المُقبلة انفراجة كبيرة على المستويين الاقتصادىّ والتِّجارىّ، لا سِيَّما فى ظل الاهتمام الرئاسىّ الذى جعل تلك العَلاقات تشهد تناميًا كبيرًا فى مختلف مجالات التعاون المُشترك على مدى السنوات الأربع الماضية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة