أمام رقعة الشطرنج يجلس الرجل الستينى "محمد حافظ زبيب" يرسم بهدوء وسرعة رقعة موازية لها فى عقله، بينما تخبره سماعة الأذن بالوقت المتبقى له، فيتخيل الرقعة بعد 5 نقلات أو 6 ويجرى حسابات معقدة قبل أن يملى على مساعده النقلة التالية التى تكمل فى عقله خطة الإطاحة بقطعة مهمة تربك حسابات خصمه.
بخبرة 40 عامًا فى اللعبة خاض "زبيب" العديد من المسابقات والبطولات، ولم يمنعه فقدانه بصره فى سن الأربعين، من العودة للعبة التى عشقها من السابعة عشرة من عمره، ويحكى لـ"اليوم السابع": كنت أمارس اللعبة بالتخيل منذ تعلمت الشطرنج لأننى حين أغمض عينى وأتخيل الرقعة أرى شكلها بحسابات على مدى طويل وليس شكلها الحالى، فأتخيلها بعد 5 نقلات واستكشف نقاط ضعفى وقوتى واحتمالات لعب الخصم.
اللاعب محمد زبيب فى مونديال 2013
لم يتغير أسلوب "زبيب" ابن المنصورة فى اللعب كثيرًا بعد أن فقد بصره، فلا يزال يعتمد على خياله ويسبق اللعبة أمامه بعدة نقلات، الفارق الوحيد أنه يستعين بمساعد له ينفذ النقلات التى يمليها عليه ويقول "مهم يكون إيده خفيفة وسريع فى اللعب، لأنى بلعب بالوقت وأحيانًا الماتش كله بيكون 10 دقائق، فأنا لازم أفكر بسرعة وأمليه الحركة بسرعة".
تغيير طفيف أيضًا حدث لطريقته فى تطوير نفسه واستكشاف خطط وتكنيكات جديدة للعب لأنه يؤمن أن التفوق فى الشطرنج يحتاج إرادة وعزيمة وتدريب بشكل أساسى، فيحكى لـ"اليوم السابع": "زمان حين بدأت تعلم اللعبة قبل 40 سنة لم يكن هناك وجود للكمبيوتر ولا التليفون، كنت أشترى كتب الشطرنج وأسهر طوال الليل لدراستها وفى اليوم التالى نطبق الخطط الجديدة معًا.
محمد زبيب أمام رقعة الشطرنج
ويتابع: "أما الآن أحرص على تطوير نفسى دائمًا بمساعدة صديق يفهم الشطرنج، أطلب منه أن يدخل على الإنترنت ونشاهد أحدث مباريات أبطال العالم فى الشطرنج. يحكى لى ما يراه وأحفظ المباراة فورًا، وفيما بعد انفرد بنفسى و"أمخمخ" فيها وأدرس كل نقلة للاعبين، وهل كانت موفقة أم أخطأت فيها".
قبل وبعد فقدان بصره حقق "زبيب" العديد من الإنجازات من اللعبة ويقول: "أثناء دراستى فى كلية التجارة كنت أشارك فى المسابقات على مستوى الكلية والجامعة وأحصد المركز الأول، وكنت احيانًا ألعب فى أندية منها نادى غزل المحلة". بعدها غاب "زبيب" 15 عامًا عن المسابقات لظروف سفره خارج مصر.
محمد زبيب فى مسابقة أمام لاعبة روسية مبصرة بدبى
وحين فقد بصره إثر ضمور العصب البصرى فى 2004 عاد مجددًا إلى مصر، ويقول: "انطويت على نفسى نحو العامين فى البيت، بعدها بدأت أعود للعالم وكنت ألعب مع زملائى على المقاهى فلاحظوا أن مستواى لا يزال جيدًا وسألونى لمَ لا أشارك فى البطولات؟".
وبالفعل شاركت فى بطولة المحلة للشطرنج وحصدت المركز الأول عام 2012 بعدها دخلت بطولة الجمهورية المفتوحة فى العام نفسه وكان ترتيبى الـ 13 عمومى على مصر، ثم سافرت لتمثيل مصر فى اليونان فى بطولة العالم عام 2013 لذوى الإعاقة البصرية وحصدت الترتيب الـ 16 على مستوى العالم كله، وقد فوجئت هناك أن الكثير من المشاركين فى البطولة ليسوا مكفوفين وإنما يعانون ضعفًا شديدًا فى النظر".
لا تقتصر منافسات محمد زبيب على بطولات ذوى الاحتياجات الخاصة وإنما أيضًا شارك مؤخرًا فى مسابقة للشطرنج بالعاشر من رمضان، كما لعب فى الدورى الممتاز أ مع نادى الحوار فى المنصورة وحصدوا المركز الثانى على الجمهورية.
ورغم تميزه فى اللعبة إلا إنه حرم من المشاركة فى مونديال الشطرنج الأخير الذى حقق فيه المنتخب المصرى الميدالية الذهبية وكان آخر مونديال شارك به عام 2013، ويقول: كان من المفترض أن يرسل اتحاد المعاقين أو اتحاد الشطرنج المصرى الاسم لنشارك فى الاتحاد العالمى لذوى الإعاقة خلال المونديال ولكن هذا لم يحدث بالتالى لم أشارك فى المونديال".
محمد زبيب فى لعبة ودية مع الأصدقاء
يستطرد: الكثير من البطولات تمر دون أن أشارك فيها لأننى أسافر على نفقتى الخاصة وأحتاج مرافق بالتالى التكلفة تكون مضاعفة ولا يوجد أى دعم رسمى لى، بالتالى لا أتمكن من المشاركة. ولعبة الشطرنج لا تجلب أى عائد بالتالى الكثير من عشاقها يلعبونها لأجل "المزاج" وفقط وينفقون عليها من جيبهم.
ويختتم "زبيب" :"أتمنى لو يعمل اتحاد المعاقين فى مصر على جمع أسماء الموهوبين فى كافة الألعاب من مختلف الإعاقات ويتابع معهم الأنشطة والمسابقات العالمية ليسافروا ويشرفوا اسم مصر فى الخارج".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة