لا يمكن إدراك وفهم المجلس الملى دون إدراك ما يحدث فى الكنيسة العتيدة، منذ 1873 وحتى نهاية 2017، ما يقارب القرن ونصف القرن، سبعة بابوات «كيرلس الخامس، يؤانس التاسع عشر، مكاريوس الثالث، يوساب الثانى، كيرلس السادس، شنودة الثالث، تواضروس الثانى» و18 مجلسا مليا، ولم تخل دورة للمجالس الملية من مشكلات وخلافات بين الإكليروس والعلمانيين، إلا فى عهد البابا المتنيح شنودة الثالث، ويعود ذلك إلى رسامة الأعضاء الموقرين شمامسة، ومن ثم عملوا ليس بصفتهم علمانيين بل «درجة من درجات الإكليروس».
تأسس المجلس الملى فى 1872، وانتخب أعضاؤه فى 16 يناير 1874، واختير بطرس غالى باشا وكيلًا للمجلس، حيث كانت الرئاسة للبطريرك، وأصدر الخديو إسماعيل أمره باعتماد تشكيله، وبدأ المجلس يباشر مهامه فى فبراير 1874، وهو الذى اختار البابا كيرلس الخامس بطريركًا خلفًا للبابا ديمتروس فى عام 1875، ورأى البابا كيرلس الخامس أن المجلس يمثل اعتداء على سلطاته فحله فى 1875، وسعى بطرس غالى لدى الدولة فى هذا الشأن حتى صدر الأمر العالى فى 13 مارس 1883 بتشكيل المجلس الملى مرة أخرى، وأعيد انتخاب بطرس غالى وكيلًا له فى 14 مايو 1883
كان المجلس حينذاك، بمثابة محكمة للأحوال الشخصية للأقباط، تنظر منازعات الزواج والطلاق وغيرهما، وكان تشكيله يضم 12 عضوا، و12 نائبا يكونون الجمعية العمومية له، وينتخب الأعضاء والنواب 150 ناخبًا، ويكون البطريرك هو رئيس الاجتماع الانتخابى، كما تكون له رئاسة المجلس الملى ذاته، على أن ينتخب وكيل المجلس من أعضائه من يقوم مقام الرئيس عند غيابه، وفى العام 1891 أعلن البابا كيرلس الخامس رفضه اللائحة، وعندما أراد المجلس تجديد انتخاب أعضائه، طلب البطريرك من محافظ القاهرة منع الاجتماع، فقاوم المجلس وعقد الاجتماع، فخاطب البابا كيرلس الخامس الحكومة فى 20 يوليو 1891 بأن المجلس مخالف للحكومة، فعقد بطرس غالى اجتماعًا وطالب بتدخل الحكومة لرفع يد البطريرك عن المجلس الملى، فهدأ البطريرك وتوصل الطرفان إلى اتفاق وسط ينص على «أن تبقى أوقاف الأديرة تحت إشراف البطريرك، وأن تحتفظ الأديرة بفائض إيراد أطيانها، وألا تكون للمجلس علاقة بديوان البطريركية، وأن تكون رئاسة المجلس فى حال غياب البطريرك لمن ينيبه من رجال الدين، وأن يكون للبطريرك حق تعيين ثلث المجلس بغير انتخاب».
ورغم أن ذلك الاتفاق يسلب المجلس الملى اختصاصات كبيرة، فإن البطريرك رفض تنفيذه، فطلب المجلس من الحكومة نفى البطريرك، فنفى إلى دير البراموس بوادى النطرون، ونفى وكيله الأنبا يؤانس «البطريرك الذى خلف كيرلس الخامس فيما بعد رحيله» إلى دير الأنبا بولا بالصحراء الشرقية، ودام نفيهما قرابة العام حتى أعادتهما وزارة رياض باشا فى 4 فبراير 1893، والتفت حوله الجماهير بمن فيهم أغلب خصومه، ولم يعد البطريرك مهزوما بل أكثر تشددا، فقبل العمل بلائحة 1883 بشرط أن تؤلف لجنة مالية تعمل بجواره بدلا من المجلس المنتخب، وبذلك نسف البطريرك جوهر اللائحة، واستمرت الأوضاع على هذا المنوال ما يقرب من 12 عامًا، إلا أن الصراع بين العلمانيين والإكليروس حول لائحة المجلس الملى استمر حتى ثورة 1952، وما تلاها من صراع ما بين البابا كيرلس السادس عام 1959 حتى عام 1970، وإغلاق البابا كيرلس السادس المجلس الملى وحله
وإذا عدنا إلى عقب ثورة 1919، اختلف الأمر، فقد استوعبت الحركة الوطنية جانب التنوير الفكرى والإصلاح الدستورى، وفى أولى دوريات البرلمان الائتلافى الوفدى الدستورى، تقدم سوريـال جرجس، عضو مجلس الشيوخ، بمشروع قانون لتعديل لائحة المجلس الملى، ونص اقتراحه على إلغاء التعديلين اللذين أدخلهما البابا كيرلس الخامس فى 1908 حتى 1912، والعودة إلى لائحة 1883، واعترض الأنبا لوكاس، مطران قنا وعضو مجلس الشيوخ، وبعد مناقشة له من 30 مايو 1927، وحتى 25- 26 يونيو 1927، صدر القانون فى 22 يوليو برقم 19 لسنة 1927، وبعد أن أدخل عليه تعديلًا بناء على رغبة البطريرك تخص شروط أصحاب الأوقاف.
وأجريت الانتخابات للمجلس الملى وفق القانون فى 30 ديسمبر 1927، وانتخب النواب الـ12، إضافة إلى الأعضاء الـ12 وكان أغلبهم من الوفديين أنصار الإصلاح، إلا أن رجال الدين عطلوا تطبيق القانون، وانتهى الأمر باجتماع مشترك للمجلس فى 19 نوفمبر 1928 بناء على قرار أصدره محمد محمود باشا، رئيس الوزراء فى ذلك الوقت، ببقاء الحق للبطريرك فى تعيين رؤساء الأديرة أو أن تؤلف لجنة أوقاف الأديرة من البطريرك أو نائبه رئيسًا، وستة أعضاء، أربعة من المجلس الملى واثنان من المطارنة يختارهم البطريرك سنويًا، واستقال احتجاجا على ذلك خمسة من أعضاء المجلس الملى المنتخب، إلا أن القرار صدر، ولكن الإكليروس لم ينفذوه.
أفرغ دور المجلس الملى من مضمونه بعد ثورة يوليو 1952 بشكل موضوعى، ومن غلبة الليبراليين وكبار الملاك على عضويته من 1873 وحتى 1952، إلى كبار الموظفين ورجال الدولة والتكنوقراط بعد 1952، إلى متغيرات كبرى حدثت للنخب القبطية بعد ثورة 25 يناير 2011، حيث لم تعد النخب لا كبار ملاك ولا تكنوقراط بل أبناء الفئات الوسطى والدنيا من الطبقة الوسطى، أبناء ثورة الاتصالات وليسوا أبناء الثورة الزراعية، ثوار تخطوا منهج «الأبوية»، هذه المتغيرات انعكست على المجلس الملى حتى إن البابا تواضروس صرح فى أكثر من حديث بأنه لا يرتاح لاسم «المجلس الملى» ومن المؤكد أن البابا على حق لأننا لا نعيش الآن فى العصر الذى يصنف فيه المسيحيون كـ«ملة» بل نعيش فى عصر نسعى فيه إلى المواطنة، ولذلك كله ووفق كل ما ذكر فإن العمر الافتراضى للمجلس الملى، شكلا وموضوعا، الاسم والمهام والتركيب الاجتماعى، كل ذلك انتهى عمره الافتراضى، وأصبح الحديث عن «المجلس الملى» بشكله القديم كمن يدخل الكنيسة بالطربوش العثمانلى.
عدد الردود 0
بواسطة:
عادل عطية
تاريخ مر ورأي صائب
فعلاً لم يعد للمجلس الملي اسما ومهاماً في وقتنا هذا.. شكرا على الطرح والرأي الصائب