واحد وخمسون عاما مرت على موت الرمز المسمى أرنستو تشى جيفارا، الذى ملأ الدنيا وشغل الناس، والذى كشف عن وجوه الخوف الساكنة داخل أرواح الكثيرين، هذا الخوف الذى ضيع حقوقا كثيرة، مؤكدا أن الكرام قليل.
نعم إن الكرام قليل، أما اللئام فحدث ولا حرج، تراهم فى الصور القليلة التى نشرت بعد سنوات من موت الأسطورة، ها هم يقفون حول الجسد المتعب الذى أضناه الحروب وخذلان الأصدقاء ومرض الربو، يقفون حوله معترفين بكونه الغنيمة الأكبر التى حصلوا عليها، ثم يقررون قتله، لا أعرف كيف يقررون ذلك.
لم يكونوا نبلاء، وهم يتحلقون حول أسير سقط بعدما ظل عامين كاملين لا يستطيعون إليه سبيلا حتى ألقوا القبض على صديقه المفكر الفرنسى الماركسى ريجيس دوبريه وبعدما نكلوا به وعذبوه اعترف بمكان جيفارا، وهنا انطلقوا خلفه فى البرية لا يريدون سوى قتله.
كانت الولايات المتحدة الأمريكية دائما وراء كل الكواليس التى أدت إلى هذه النهاية الحزينة، بنفوذها فى أمريكا الجنوبية، حيث وقف رئيس الجمهورية البوليفية الجنرال رونيه بارينتوس قائلا، إنه واثق هذه المرة من القبض على جيفارا حيا أو ميتا، ولم يكن بارينتوس يعتمد فى عملية مطاردة واصطياد جيفارا على رجاله وحدهم، ولا على بعض رجال العصابات الذين تخلوا عن جيفارا وحاولوا الكشف عن مكانه، بل كان يعتمد على قوات متخصصة فى حرب العصابات والتصدى للثوار بوسائل علمية مدروسة.
دائما أفكر فى القلق الذى كان يسببه جيفارا فى نفوس المستبدين، كان يثير فى نفوسهم الفزع الذى كانوا يثيرونه فى أرواح شعوبهم، ويبدو أن السلطات كلها فى تلك الفترة كانت متشابهة، الجميع تخلى عن «الحلم» وراحوا يترقبون ما تفعله الكلاب الهائمة على وجوهها فى الغابات بحثا عن «الصيد الثمين» جيفارا، الذى تمنى أن يموت متكئا على شجرة لكنه لم يحدث.
مات جيفارا، وحتما مات قاتلوه، من أمر بالقتل ومن أمسك بالبندقية وأطلق الرصاص، لكن التاريخ هو المنصف الوحيد فى هذه القضية، فقد منح جيفارا حقه وحوله إلى رمز، ومسح أسماء القتلة من سجل الشرف، واحتفظ فقط بصفة كونهم قتلة «جيفارا»، لكم أن تتخيلوا أن من أطلق النار على جيفارا عاد إلى بيته وقص على زوجته ما فعله، حتما قالت له «اصمت ولا تخبر أحدا» وتمنى أبناؤه من بعده ألا يعرف أحد وصمة العار التى ارتكبها أبوهم.
والسؤال: لماذا لم تقاض الأرجنتين طوال الخمسين عاما الماضية قتلة جيفارا؟
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة