«إيه محاولة الاغتيال البلدى دى، التى تجرى وقائعها فى وضح النهار ووسط الشارع والنّاس فى حشد يوازى حشود الموالد والأفراح، والمجرم يستخدم الأظافر وقطعة حديد ليخربش ويضرب بها «ركبة» المستشار هشام جنينة؟!»
المعارضة المصرية، بكل مشاربها السياسية، تتهم النظم السياسية المتعاقبة منذ نظام جمال عبدالناصر، وحتى النظام الحالى، ما عدا عام المعزول محمد مرسى، بجانب رجال الدولة ومؤيديها وداعميها، بأنهم يؤمنون بنظرية المؤامرة، إلى حد التقديس، بينما الحقيقة، عكس ذلك تماما، وأن هم الذين يؤمنون بهذه النظرية إيمانا مطلقا!!
والأمر لا يحتاج أن نبرهن وندلل على مصداقيته، لأنه عرض مستمر، وإذا كنت من هؤلاء الذين لا يقتنعون إلا بوجود أمثلة وبراهين، نقدمها لك، ومن خلال وقائع طازجة، لم يمر على حدوثها سوى ساعات، أولها، عندما فشل خالد على فى إقناع 25 ألف مواطن فى 15 محافظة لاستخراج توكيلات تزكية له، ليتمكن من التقدم رسميا لخوض الانتخابات الرئاسية المقبلة، تفتق ذهنه لاختراع سرقة التوكيلات، وإذا افترضنا بالفعل، الدولة قررت عرقلته لمنعه من خوض الانتخابات، فهل يكون المنع بسرقة 400 توكيل فقط..؟!
الدليل الثانى، حادث التصادم بين سيارتين، تحول إلى أشهر حادث فى مصر والمنطقة العربية، ليس كونه حادثا مأساويا، أو ذهب ضحيته المئات، لا لا، إنما كون سيارة المستشار هشام جنينة طرفا أصيلا، وطالما الحادث يتعلق بشخص المعارض الإخوانى وخصم النظام الحالى، فلابد له أن يتحول من المسار الطبيعى باعتباره تصادما عاديا يحدث مثله العشرات يوميا بطول البلاد وعرضها، إلى مسار حوادث الاغتيالات السياسية لتشويه الدولة ومؤسساتها الأمنية!
وبالطبع، عندما يتخذ الحادث مسارا سياسيا، يتحقق لهشام جنينة أمرين، الأول الشهرة باعتباره شخصية سياسية مضطهدة، وما يستتبعه ذلك من اهتمام إعلامى عابر للحدود، ولكم فى الـ«بى بى سى» مثال عظيم، والتى أول من سارعت بتحويل مسار «التصادم» من مساره الطبيعى، إلى المسار السياسى، واعتباره محاولة اغتيال..!!
الأمر الثانى، يضيع وسط هذا الزخم الشديد إعلاميا وسياسيا، حقوق الطرف الثانى من الحادث، كونهم مواطنين مصريين عاديين، أوقعهم القدر للتصادم مع شخصية، تحمل لقب مستشار يرتدى عباءة النضال السياسى، والجميع يعلم أن هشام جنينة كان يمارس السياسة بقوة قبل ثورة يناير، عندما كان قاضيا وعضوا فى تيار الاستقلال الذى مهد وطهر الأرض للدفع بجماعة الإخوان الإرهابية للحكم، وكانت المكافأة التى حصل عليها بعد سيطرة الجماعة على السلطة، تعيينه رئيسا للجهاز المركزى للمحاسبات، وحاول مؤخرا أن يلعب نفس الدور الذى كان يلعبه إبان عضويته لتيار الاستقلال، لتمهيد الأرض لإعادة جماعته لصدارة المشهد من جديد، وذلك من خلال الارتماء فى أحضان حمدين صباحى، وباقى اليسار، ثم الموافقة على أن يكون ذراع «سامى عنان» القوية!!
وبالفعل دارت تروس ماكينات جماعة الإخوان وحلفائها وقيادات الحركات الفوضوية، وكل أعداء النظام الحالى، للعمل بقوة فى الداخل والخارج لتحويل الحادث من تصادم عادى بين سيارتين واصطدام مارة فى الشارع، إلى محاولة اغتيال، من تدبير الدولة، وللأسف انشغل الاعلام بكل أنواعه بجانب السوشيال ميديا، بالحادث واعتباره بالفعل محاولة اغتيال، فى استباق لسير التحقيقات وجمع الأدلة، وهكذا تحول الإعلام بقيادة الـ«بى بى سى» والجزيرة، إلى جهات تحقيق وقضاة أصدروا أحكامهم القاطعة بأنه حادث جنائى.
ودخل على الخط، فى التأكيد على أن المعارضة تقدس نظرية المؤامرة، الدكتور محمد البرادعى، وبينما كان ساهرا مستمتعا بـ«ليالى الأنس فى فيينا» قرر كتابة «تويتة» على حسابه الرسمى على تويتر قال فيها نصا: «الهمجية وغياب العقل وشيطنة الآخر والفُجر فى الخصومة ستؤدى إلى تدميرنا جميعا. إذا كان محكوما علينا أن نعيش معا فلنحافظ على قدر من الإنسانية والعقلانية والمصداقية فى تعاملنا مع بعضنا البعض إلى أن نصل إلى وسيلة للعيش المشترك. أليس بيننا عاقل رشيد؟».
هكذا أصدرت المعارضة المصرية بكافة مشاربها حكمها الأسرع من سرعة البرق، وقبل التحقق وجمع الأدلة والاستماع للطرف الثانى من الحادث، والشهود، حكمها بأن الحادث محاولة اغتيال هشام جنينة، وكأن الدولة بكل مؤسساتها الأمنية، غير قادرة على تدبير حادث اغتيال «مفتخر» ولا يترك أثرا جنائيا من أى نوع، ولا يشعر به أحد، وليس عن طريق مشاجرة ساذجة فى وضح النهار، وباستخدام «الأظافر» سلاحا للقتل..!!
وأنا لم يبهرنى ادعاءات هشام جنينة وتمثيله، ولا أداء الجماعة الإرهابية، وحلفائها من الحركات الفوضوية وتحديدا حركة 6 إبريل، والاشتراكيين الثوريين، علاوة على نشطاء السبوبة، ومرضى التثوراللاإرادى، فالرجل تاريخه الطويل يشهد، بمثل هذه الادعاءات الفجة، بداية من تصريحه الشهير بأن حجم الفساد فى عام واحد 2015 بلغ 600 مليار، وهو التصريح الذى أنكره، وذهب للمحكمة، ولكن المحكمة لم تنصفه، لعدم تقديم دليل قوى يفيد أنه لم يدل بهذا التصريح، بجانب ألاعيبه التى لا تعد ولا تحصى فى الجهاز المركزى للمحاسبات.
والجماعات المتطرفة لها باع طويل فى الكذب والخداع، وتحويل مسار الحوادث بما يحقق مصالحها الشخصية، وما حادث أنف «أنور البلكيمى» وحادث «على ونيس» وعنتيل طنطا، وادعاء أيمن نور بمحاولات الاغتيال، وغيرها من الحوادث المتطابقة، والتى تبين كذبها وادعاءاتها بعد الانتهاء من سير التحقيقات، إلا أدلة قاطعة..!!
الكارثة فى حادث هشام جنينة، تتمثل فى الطرف الآخر من الحادث، من المواطنين الغلابة، ووسط آلة الإخوان والنشطاء وأدعياء الثورية والـ«بى بى سى» و«الجزيرة» الصاخبة، يمكن أن تضيع حقوق هؤلاء الغلابة، هدرا، ونسأل هل من الحرية والعدالة الاجتماعية والكرامة الإنسانية، أن الجميع يدافع عن هشام جنينة، كونه سياسيا ينتمى لفصيل خصم للنظام الحالى، وإضاعة حقوق مواطنين عاديين، ليس لديهم ظهير سياسى؟!
إذن، فلتصمت المعارضة، وتخرس ألسنتها نهائيا، ولا تتحدث عن الديمقراطية والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية، فهى ومن خلال ما تصنعه بماكيناتها السياسية والإعلامية، لا تريد سوى العمل بما يحقق مصالحها الخاصة، نعم، الخاصة فقط، وليذهب الغلابة إلى الجحيم..!!
ولَك الله يا مصر..!!
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة