يلاحظ علماء اجتماع غربيون أن قطاعات واسعة من الشباب فى البلدان الأوروبية والأمريكية بدأت تشعر بالملل من حجم الإتاحة، والإباحية، والحرية الجنسية فى المجتمعات الغربية. لا توجد بهجة فى أن يشعر هذا الشباب بأن كل شىء متاح، لا قيود على أى شىء، أن تشرب، أو أن تصادق فتاة، أو أن يتزاوج الإناث بالإناث، والرجال بالرجال، تحت مظلة قوانين تحمى المثلية الجنسية، وترعاها بدفء مبالغ فيه، أو أن تحصل فتاة على ابن دون زواج شرعى «سنجل ماذرز».. الشباب يشعر بأنه يستطيع أن ينال رغباته بسهولة، ويرضى غرائزه فى أى وقت، وفى أى مكان، فى الملاهى الليلية، فى الجامعات، فى الشوارع، أو حتى فى الأركان الخفية فى المدارس الثانوية. هذه المجتمعات التى تقدس الحريات الفردية، وتعتبر إشباع الغرائز الأساسية فعلًا طبيعيًّا للمراهقين خارج مؤسسة الزواج، يظهر فى داخلها اليوم من يرفض هذه الأفكار، ويتمرد على هذا الموروث من الإتاحة.
لم تعد هذه الحياة مبهجة كما يتصور البعض هنا من شباب الشرق الأوسط، الآن يشهد الغرب حركة شبابية جديدة، لم تتبلور فى شكل تيار واسع حتى الآن، ترفع شعار الحب البرىء، والعذرية المقدسة، والزواج الشرعى.
قرأت تحقيقًا صحفيًّا مترجمًا عن اللغة الفرنسية نشرته صحيفة «لا برس» الكندية، يرصد ما سماه «تيار العفة بين الشباب فى كندا»، ويعتمد التحقيق على معلومات تقدمها مؤسسة فى مدينة كيبك الكندية، تعمل تحت اسم «عفة كيبك»، ويدير هذه المؤسسة طبيب يدعى «دكتور روبيلا»، وتعمل المؤسسة على دراسة تأثيرات الإباحية السرطانية فى المجتمعات الغربية، وأثر ذلك على ثقافة المراهقين فى المراحل الثانوية أو فى الجامعات، والمدهش أن هذه المؤسسة تجد أنصارًا متزايدين يومًا بعد يوم.
شباب يكرهون الجنس المجانى فى كل مكان، ومواقع البورنو، وحانات المثلية الجنسية.. شباب لا ينتمون إلى الكنيسة، ولا تحركهم مشاعر دينية، أو تقاليد اجتماعية صارمة لآبائهم، لكنهم تأملوا العالم من حولهم، فوجدوا أن العفة، والحفاظ على العذرية، والحب البرىء، هى أسمى القيم الإنسانية، وهى أكثر متعة من هذا الانحلال الأخلاقى، والشيوع الجنسى، والعلاقات المتعددة التى تقضى على قيمة الحب، وتلوث المشاعر الإنسانية، حسبما يقول المراهقون المشاركون فى دراسات هذه المؤسسة.
صحيفة «لا برس» الكندية تقول فى هذا التحقيق أيضًا إن السلوك الجنسى للمراهقين فى المدارس الثانوية لم يعد كما كان فى الماضى، وإن كثيرًا من طالبات المدارس الثانوية، اللاتى كن يعتبرن فى الماضى أن الحفاظ على العذرية هو من قبيل التخلف والجهل، وفعل مثير للسخرية المجتمعية، هن أنفسهن الآن يفخرن بأنهن عبرن المرحلة الثانوية دون أن يفقدن عذريتهن، وتذهب إحدى المدارس الكندية المتخصصة فى الأمراض الجنسية إلى أن نسبة الحفاظ على العذرية تتنامى لما هو أكثر من 64% بين المراهقين، وهى أعلى نسبة منذ سنوات طويلة.
الحب يسترد مكانته إذن فوق الجنس الرخيص والسهل، والعذرية المقدسة تستعيد جمالها وكمالها بين فتيات وشباب لا يوجد مانع قانونى أو مجتمعى يحول بينهم وبين إرضاء غرائزهم.. القيم الجمالية الرفيعة فى علاقة الرجل بالمرأة تسترد رونقها فى مجتمعات يتمرد شبابها على الإباحية والانحلال والجسد، إنها ردة فعل شبابية عالمية، فى تقديرى، ضد كل التشريعات التى أحلت ما حرمته الأديان، وقنّنت ما يتنافى مع القيم الإنسانية السامية، وأسبغت على الشرعية سلوكيات ضد الفطرة الإنسانية، وضد تماسك المجتمعات ورقيها الحضارى.
الشباب فى الغرب هم الذين قادوا ثورة «البورنو جرافيك» فى الستينيات، والثورة الجنسية، وثورة العرى، وثورة المثليين، والآن ينشأ كرد فعل ضد كل هذه الثورات حراك من نوع جديد، يعيد مذاق البراءة إلى القلوب التى لوثتها الإتاحة والإباحية، ويعيد مكانة الحب فى المجتمعات، ويسترد موقع الأسرة المستقرة نفسيًّا وسلوكيًّا فى المجتمعات الغربية، وهى ثورة أتمنى لها النجاح والانتشار.
أقول ذلك منبهًا جيلًا كاملًا من الشباب هنا، يظن أن الحرية فى هذه الإتاحة، وأن المتعة فى تلك الإباحية المريضة، أقول لكم إن ما بين أيديكم من براءة وطهر وذوق وعفة، هو أعظم مما تظنون، هو حلم لشباب فى مكان آخر، هو ثورة جديدة تهفو إليها قلوب حرة، تبحث عن الإنسان والإنسانية وسط ركام عفن للمدنية الحديثة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة