رغم مرور أكثر من عام على إجراء الانتخابات الرئاسية الأمريكية التى جرت فى نوفمبر 2016، وانتهت بفوز مرشح الحزب الجمهورى "دونالد ترامب" بمنصب رئيس الولايات المتحدة، إلا أن هذه الانتخابات كان لها أثر ممتد حتى وقتنا الحالى، تاركه خلفها مشكلة "الأخبار الوهمية والكاذبة" على شبكات التواصل الاجتماعى بشكل عام و "فيس بوك" بشكل خاص، مع اتهامات له بأنه حقلا واسعا لترويج الأخبار الكاذبة دون وجود أى ضوابط تحكم انتشار هذه الأخبار، الأمر الذى وضع فيس بوك فى النهاية فى موقف لا يحسد عليه.
إلا أن النهج الذى لجأ إليه "مارك زوكربيرج" مؤخرا فى محاولة للنجاة من هذه الاتهامات والقضاء على الأخبار الوهمية على حد وصفه، آثار سخط الكثير من صناع المحتوى حول العالم مما يمكن وصفه بأنه يكتب نهاية فيس بوك بيديه، بعدما أصبح الآن فى صراع مباشر مع صناع المحتويات الإخبارية بشكل واضح وهو الأمر الذى ربما قد ينتج عنه حملة مضادة منهم لإيجاد وسيلة بديلة للترويج لأخبارهم أو الاعتماد على شبكة منافسة والوقوف فى صفها للانتصار فى النهاية على فيس بوك، وهو ما يمكن متابعته خلال الأسابيع القليلة المقبلة.
بداية المشكلة
كانت البداية عقب إعلان نتيجة الانتخابات الأمريكية وفوز "دونالد ترامب"، حيث اتهم الكثير من الأمريكيين فيس بوك وأخباره المنشورة عبره بانها السبب فى هذه النتيجة، كما أكد ترامب نفسه أن مواقع مثل فيس بوك وتويتر وإنستجرام لعبت دورا كبيرا فى فوزه بالانتخابات، فيما ذكر موقع "نيويورك ماج" أن فيس بوك ساهم فى صعود ترامب إلى سدة الحكم من خلال الترويج لأخبار كاذبة ساهمت فى تضليل الناخبين.
من جهته نفى "زوكربيرج" هذا الأمر وقال بمؤتمر قمة "الويب" بعد الانتخابات، أن التفكير بأن فيس بوك هو سبب فوز "ترامب" أمر جنونى، فيما أضاف مدير العمليات بفيس بوك، قال إن الأخبار الكاذبة أمر خطير ولكن ليس لها علاقة بنتائج الانتخابات الأمريكية، وكتب زوكربيرج منشور طويل يشرح فيه علاقة فيس بوك بالانتخابات، وقال إنه غير منطقى تحميله مسئولية فشل أو نجاح أحد، إلا أن الأمر المفاجئ لمؤسس فيس بوك هو أن عددا من موظفيه يروا أن الأخبار الكاذبة وراء فوز ترامب إلى حد بعيد.
هيلارى كلينتون
فيس بوك يحجم دور الشركات ووسائل الإعلام
وقد استعرض "زوكربيرج" فى 12 يناير الجارى، نبذة عن أهم التحديثات التى سيشهدها موقع التواصل الاجتماعى الشهير "فيس بوك"، والتى يأتى على رأسها منح أولوية الظهور لمنشورات الأصدقاء والعائلة، وتقليل معدل الظهور لوسائل الإعلام والصفحات ذات الأنشطة التجارية، وهو ما يعنى أن المنشورات التى يكتبها الأصدقاء وأفراد العائلة وزملاء العمل سيجدها المستخدم بكثرة عند تصفح الـnewsfeed الخاصة به، لكن المنشورات الأخرى التابعة لصفحات المواقع الإخبارية والعلامات التجارية والشركات، سيقل ظهورها بشكل كبير، واختيار ما يعرض منها للمستخدمين سيكون بناءً على ما تجمعه من تفاعل، وهذا الأمر لم يرضى فئات متعددة وأثار موجة من الغضب ضد فيس بوك.
فيس بوك والأخبار
غضب من فيس بوك
وعقب التصريحات السابقة من فيس بوك، المتعلقة بطريقة عرض محتوى الشبكة، خسر المؤسس والمدير التنفيذى للشركة 3.3 مليار دولار، بعد استمرار انخفاض سهم الشركة، وأصبحت ثروة الملياردير الشاب البالغ من العمر 74 مليار دولار على مؤشر بلومبرج، وأدى الانخفاض إلى التأثير على الـ 4.5 مليار دولار التى أضافها زوكربيرج إلى ثروته هذا العام، وليس هذا فقط بل إنه فقد مكانته كأغنى رابع شخص فى العالم، واحتل مكانه الملياردير الإسبانى "أمانسيو أورتيجا".
فيس بوك ينصب نفسه حكما على المواقع الإخبارية
فيما قال "مارك زوكربيرج" فى منشور له، أمس الجمعة، إن الشركة ستبدأ فى إعطاء أولوية لوسائل الإعلام "الجديرة بالثقة" فى بث مشاركات التواصل الاجتماعى حيث تعمل الشركة على مكافحة "الإثارة" و"المعلومات المضللة"، وأوضح أنهم يمتلكون أكثر من 2 مليار مستخدم شهريا إنها سوف تستخدم استطلاعات الرأى لتحديد ترتيب وسائل الإعلام من حديث الثقة.
وأوضح أنه بداية من الأسبوع المقبل ستعطى خدمة البث الإخبارى وهى المنتج المحورى للشركة، أولوية "للأخبار ذات الجودة العالية" على المصادر الأقل جدارة، مضيفا أن كم الأخبار بشكل عام على فيسبوك سيتقلص إلى نحو 4 % من محتوى خدمة البث الإخبارى مقارنة مع 5 % حاليا، وتأتى هذه الخطوة من فيس بوك لتكون تنصيب للشبكة الاجتماعية كحكما لاختيار المواقع التى يمكنها الظهور للمستخدمين دون غيرها وهو ما يعتبر أمرا خطيرا، خاصة وأن فيس بوك كانت لديه علاقة قوية مع الوسائل الإخبارية وخاصة تلك التى لها ميول سياسية قوية، ففى عام 2016 أعرب مشرعون جمهوريون أمريكيون عن قلقهم إزاء قيام فيسبوك بكبح القصص الإخبارية التى تهم القراء المحافظين.
غضب الناشرين:
أصيب الناشرون والعاملون فى الصحف والمواقع الإخبارية حول العالم بحالة من الغضب بعد الإعلان فيس بوك عن تغييرات الكاسحة فى الـnewsfeed، فهذه الفئة على وجه الخصوص التى تعتمد على فيس بوك بشكل كبير للوصول إلى جماهير ضخمة وتحقيق الربح، من المرجح أن تأخذ ضربة قوية من التغيير، وشهد الكثيرون بالفعل انخفاضا فى عدد القراء القادمين من فيس بوك فى الأشهر القليلة الماضية، وهذا بسبب اختبارات أجرتها الشركة تهدف إلى تضخيم محتوى المستخدمين وإزالة الـclickbait فى مواجهة الانتقادات المتزايدة للمنصة بالتضليل والأخبار وهمية.
مصير المواقع الإخبارية:
ذكر تقرير سابق أن "فيس بوك" قال لبعض الناشرين أن المحتوى الخاص بمن لديهم سمعة حسنة ومصداقية سيظهر استنادا إلى خوارزمية جديدة، لكنه لم يحدد هؤلاء الناشرين، وقالت المتحدثة باسم Buzz Feed: "كانت مهمة الموقع من اليوم الأول هى إنشاء محتوى قابل للمشاركة يتيح التفاعل المفيد بين العائلات والأصدقاء، والمحتوى الاجتماعى الهادف منطقة مثيرة وهامة، ونحن نتوقع الاستمرار فى الوفاء بتلك المهمة وتجاوز هذه التغييرات التى حدثت على فيس بوك.
الدفع مقابل البقاء
ولعل الوجه القبيح لفيس بوك يتمثل فى هذه النقطة، حيث أشارت العديد من التقارير إلى أن هذه التغيرات على طريقة عرض المحتوى سيؤدى إلى زيادة الإعلانات على فيس بوك بشكل كبير، فمن يريد أن ينتشر أخباره وما ينشره للمستخدمين سيضطر إلى دفع أموال لفيس بوك للإعلان والترويج للمحتوى الخاص به، وهو ما يعنى أن الخسارة التى تعرض لها "مارك زوكربيرج" والتى تقدر بـ 3.3 مليار دولار بعد انخفاض سهم الشركة عقب الكشف عن التغيرات الجديدة، سيعوضها فى أقرب وقت ممكن من خلال زيادة نسبة الإعلانات والمعلنين على الشبكة.
فيس بوك VS المواقع الإخبارية:
وتكشف الخطوات التى تقوم بها شركة فيس بوك رغبته فى السيطرة على عالم الاخبار، ففى الوقت الذى يحجم فيه فيس بوك المواقع الإخبارية، فإنه يتخذ بعد الخطوات التى تسمح له بلعب دور كبير فى الأخبار التى سيجرى عرضها للمستخدمين، فعلى سبيل المثال أطلق فيس بوك أداة جديدة تهدف إلى تسهيل العثور على الأخبار المحلية الصحيحة غير المضللة، والميزة الجديدة التى يمكن النظر إليها على أنها قسم جديد تحمل اسم Today In وتشبه إلى حد كبير تطبيقات الأخبار التى تجمع أهم ما حدث وتظهره للمستخدم، ومن المقرر أن تعمل على إظهار أهم الأحداث المحلية والأخبار التى يمكن أن تجذب اهتمامهم، كما سيختار فيس بوك نفسه الأخبار التى ستظهر للمستخدمين من المواقع المختلفة، وقال متحدث باسم الشركة إن ناشرى الأخبار المحليين الذين ستظهر أخبارهم داخل القسم الإخبارى الجديد Today In سوف تتم الموافقة عليهم جميعا، وفحصهم من قبل فريق الشراكات الإخبارية بالشركة الذى يشرف Campbell Brown الذى عمل مسبقا فى NBC.
فيس بوك
هل هذه هى بداية النهاية لفيس بوك؟
ومع تنصيب فيس بوك فى وضع المتحكم فى اختيار الأخبار، فقد يكون لذلك أثار سليبة للغاية، حيث يمكن للمستخدمين اختيار مصادر الأخبار التابعة للاتجاه الذى يفضلونه والحزب الذى ينتمون له، والصحف التى تعكس المعتقدات الشخصية الخاصة بهم بدلا من اختيار المصدر الجدير بالثقة، حيث قال نيكو ميلى، مدير مركز Shorenstein فى جامعة هارفارد، لصحيفة وول ستريت جورنال إن الاعتماد على المستخدمين للحكم على جودة الأخبار يمكن أن يؤدى إلى نتائج عكسية، الأمر الذى قد يمثل بداية النهاية لفيس بوك مما يدفع الموقع الإخبارية للجوء لوسيلة أخرى لمواجهة تعنت فيس بوك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة