إبراهيم عبد المجيد يكتب: سماء من الشهد

الثلاثاء، 02 يناير 2018 03:38 م
إبراهيم عبد المجيد يكتب: سماء من الشهد إبراهيم عبد المجيد
اعداد : وائل السمرى - خطوط أحمد فايز - رسوم أحمد خلف - شارك فى إعداد الملف أحمد عصام - عباس السكرى - محمد عبد الرحمن

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

«انظر خلفك فى غضب» 

هذا عنوان مسرحية شهيرة للإنجليزى جون أوسبورن نشرها عام 1959، ثم صار عنوانا على التخلص من أثر الماضى لتبنى مستقبلك وفقا لمعطيات عصرك. 
 
ويعد النظر إلى الخلف نوستالجيا، وهى حالة نفسية من الحنين قد تجعل صاحبها لايرى جمال ما حوله ويظل أسير جمال الماضى. 
 
لكن لا والله.. لم تعد النوستالجيا حالة نفسية تشوش على صاحبها الحقيقة بل حالة حقيقية.
 
ولقد عشت حياتين.. حياة حقيقية وحياة وهمية هربت فيها من الواقع إلى عوالم أفضل هى رواياتى وقصصى.
 
أجل.. ما حولى ينهار كل يوم وما أكتبه يعيده إلى الحياة.
 
قل لى ماذا حدث بالحدائق حولنا؟ قل لى ماذا حدث بالأراضى الزراعية؟ قل لى أين ذهبت البحيرات العظمى؟ البلاجات والحريات.. السينمات فى الأحياء الشعبية قل لى أين ذهبت؟
أين ذهبت المدارس التى كان الفصل الدراسى فيها لايزيد على عشرين طالبا، رحلات المدارس إلى الحدائق والآثار والسينمات والمسرح، الطرق والنظافة التى تحدث لها كل ليلة، المبانى التى لا ترتفع أكثر من عرض الشارع مرة ونصف، جماعات المسرح والسينما والأدب والموسيقى والرحلات وغيرها فى المدارس، أين ذهب كل هذا؟ 
كلها فى رواياتى تعود، وكلها فى رواياتى منحتنى القدرة على الاستمرار فى الحياة رغم أنها تنهار حولى، فكيف أنظر خلفى فى غضب؟ حتى الذين أحببتهم من النساء وخذلننى أو خذلتهن استعدتهن فى رواياتى أجمل.
 
الغضب مما جرى لنا، كأنه لم تكن هناك أمة تنهض.. كل ما جرى فى عصور النهضة الحديثة يتم هدمه من مبانٍ وأفكار تحررية، وكل ما قلته اندثر، وليس هناك أفضل منه إلا فى رواياتى.
 
إنه الفن فقط الذى منحنا القدرة على البقاء، كثيرا ما أقول للشباب أنتم أحسن حظا منا لأنكم لم تروا شيئا جميلا ضاع منكم وتحزنون عليه.. حياتنا كانت حديقة وحياتكم فى أحسن أحوالها مول تجارى!
 لكنا أقل حظا منكم لأننا عشنا لنتحسر، إذن ماذا ساعدنى على البقاء وسط كل ما جرى من تدهور وماذا علا بى فوق الحسرة؟ هو حسن حظى أن منحنى الله موهبة الكتابة، صارت رواياتى هى عالمى الحقيقى وانفصلت روحيا عما حولى رغم أنى أراه وأنتقم منه أحيانا بكتابة المقال. لكن استمتعت بشيزوفرينيا جميلة هى الليل للفن والنهار للبؤس، ومع الليل ليست إلا الموسيقى معى تأخذنى إلى سماء من الشهد فأنام سعيد البال بعد أن أكتب أو أقرأ وتمتد حياتى بلا كدر، الكتابة جعلت عنايتى بالجَمال تمشى معى، ولست حزينا على انقضاء العمر، فلقد بنيت معبدى وصليت فيه صفحات وصفحات من البهجة رغم انتشار العدم. 









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة