مرّ بالأمس كعهدى به ، حتى وصل لرأس الشارع حيث يتفرّع لحوارى وأزقة جانبية، يرتدى " حُلّة " كاملة فى الصيف والشتاء، ويكتمل هندامه برابطة عنق زاهية صارخة الألوان، وبجيب سترته العلوى تستقر وردة صغيرة حمراء ومن عجب أنها دائما نديّة، كأنما قُطفت تواً . حليق الذقن، تلمع بشرته البيضاء بشدة تحت وهج الشمس وتتطاير خُصلات شعره كلما هبّت الريح فيعبس بوجهه ويمد يده لتذيب رأسه ثم لا ينسى أن يعدل من وضع ربطة عنقه ووردته الحمراء .
كان يمرّ أمامى فى توقيت محدد قبيل ذهابى للعمل صباحا، أسمع لحذائه صوتا مميزاً منغّما كلما وطأ بأقدامه أرض الشارع، حسبته عندما رأيته أول مرة، ملكّا متوّجا أو أميرا هاربا من قصره، ثم علمت أن حظه يقل كثيرا عن أقدار الجميع .
حينما حاول أن يعبر الشارع إلى الميدان الصغير سريعا كما يفعل كل يوم، شقت سيارة مسرعة سائقها أرعن، الطريق فأثارت عاصفة من غبار ودفعت أمامها أمواج من مياه راكدة . فالتقى الغبار مع مياه الصرف الصحى على أمر قد قُدر فغمره التراب وأغرقته المياه الآسنة، وقف على رصيف صغير للمشاة، أفزعته الصدمة وأطارت ببقايا عقله مع هندامه وتأنقه الشديدين، وسمع من يضحك ساخرا ويقول : " تعيش وتأخذ غيرها ".
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة