كم سنة مرت على الأزمة السورية؟ لو سألت أى شخص سوف يفكر أولا، ثم يقول لك إنها بدأت فى سنة 2011 ثم يبدأ فى حساب السنوات، لكنك لو سألت أى سورى سوف يجيبك فى التو واللحظة أن عمرها 6 سنوات و9 أشهر، هذا الإدراك التام للأزمة والمعاناة يعنى أن الوجع كبير جدا، وأنه تغلغل إلى كل مواطن القوة والضعف فى النفس وصار يهدد كل شىء «ثابت»، ويؤمن بأن لا سياق قادم يمكن الاتكاء عليه، وأن البشر والحجر والبلد تحولت إلى «لعبة نرد».
وبمنطق لعبة النرد هذا قرأت الخبر الذى يقول بأن مؤسسة المعارض والأسواق الدولية فى سوريا أعلنت أن حجم مبيعاتها من أوراق «يانصيب معرض دمشق الدولى» بلغ حوالى ثلاثة بلايين ليرة سورية «حوالى 570 ألف دولار، وأوضح مدير المؤسسة فارس كرتلى أن «التحضيرات جارية لتخصيص جائزة كبرى بقيمة 100 مليون ليرة للإصدار الأول من اليانصيب للعام 2018 عبر بيع 700 ألف بطاقة تبلغ قيمتها مجتمعة 315 مليون ليرة»، موضحاً أن «الإصدار الثانى للعام 2018 يشمل بيع 300 ألف بطاقة يانصيبب، بقيمة جوائز تصل بالكامل إلى 240 مليون ليرة سورية»، والموقع الذى نشر الخبر أرجع سبب إقبال السوريين على هذه البطاقات إلى «تردى أوضاعهم المادية وسط ارتفاع الأسعار الذى تشهده الأسواق وتدهور القيمة الشرائية لليرة السورية، إضافة إلى تدنى الرواتب التى يتقاضاها الموظفون بمتوسط 35 ألف ليرة سورية شهريا».
لكننى قرأت هذا الخبر بشكل آخر، حيث رأيت السوريون يقبلون على هذا «اليانصيب» ليس من أجل مكسب مادى وفقط، لكن أيضا من أجل أن تنتهى الأزمة فى بلدهم، فهم طوال السنوات الماضية عندما كانوا يراهنون على ما يعرفونه لم يروا سوى الموت، ولم يسمعوا سوى صوت التفجيرات، وكم مرة لاح لهم الوطن البعيد وقد اغتسل من الدم وعاد إلى طبيعته الأولى بينما سكتت آلة الحرب، وارتفع صوت الموسيقى، لكن كل ذلك لم يحدث، فأدركوا أن المنطق لن يصل إلى نتيجة حقيقية، ولن يحقق أحلامهم، لذا فلم يعد أمامهم سوى» خبط عشواء» كما يقول الشاعر العربى، وهم يتمنون للوطن نصيبا من هذا اليانصيب كى ينجو.
علينا أن ندرك أن السوريين الآن على وشك الكفر بكل شىء، وهذا أمر طبيعى، هناك أطفال يسعون نحو السابعة من أعمارهم لا يعرفون سوى رائحة البارود ولا يميزون سوى اختلاف صوت القنابل، يعرفون الجوع والخوف ولم يسمعوا أبدا عن كلمة الطمأنينة، فلم يعد أمامهم سوى اليانصيب، لعبة الحظ للنجاة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة