هل من قبيل المصادفة أن تكون مصائر كل رؤساء إيران كارثية ومأساوية على هذا النحو؟!، فبين نفى واغتيال وإقصاء وقتل وتهديد بالحبس، تبدو نهايات كل رئيس للجمهورية الإيرانية الإسلامية خارج نطاق المألوف، فما السر فى ذلك؟!، هل هو القدر المحتوم؟! أم أن هناك ثمة لعنة تطارد كل من يدخل إلى قصر "سعد آباد"؟!. من خلال العرض التاريخى التالى نتعرف على أسرار هذه اللعنة وعلاقة المرشد الأعلى الإيرانى على خامنئى بها.
بنى صدر.. إلى المنفى يا سيادة الرئيس
أبو الحسن بنى صدر
كان أبو الحسن بنى صدر، أحد كوادر الحركة الثورية التى أسقطت الشاه محمد رضا بهلوى، واضطرته إلى مغادرة إيران من دون رجعة فى وقت باكر من صباح 16 يناير 1979م، وهو الذى تولى الاتصال بآية الله روح الله الموسوى الخمينى، ليعقد صفقة الثورة الحاسمة فى إيران بين التيارات المدنية وتيارات رجال الدين فى حوزتى قم ومشهد.
عندما نجحت الثورة وعاد آية الله إلى طهران، لم يجد أفضل من بنى صدر لتولى منصب رئاسة الجمهورية، وبالفعل تولى بنى صدر قمة السلطة التنفيذية فى إيران فى الفترة من 4 فبراير 1980 حتى 21 يونيو 1981م، ودخل منتصرا إلى قصر سعد آباد.
لكن مشكلته الأساسية أن هناك رجلا مقربا من خامنئى يكن له الضغينة والحقد، وهو قائد الحرس الثورى وقتها آية الله على خامنئى، الذى ناصبه العداء وأوقع بينه وبين مؤسس الجمهورية الإيرانية الإسلامية، حتى انتهى به المطاف منفيا فى باريس ولم يعد من ساعتها إلى بلاده، ومن المرجح ألا يعود، ويعد بنى صدر أول من طالتهم لعنة خامنئى فى قصر الرئاسة "سعد آباد".
رجائى.. ظلال الموت والاغتيال
محمد على رجائى
لم يكمل الرئيس محمد على رجائى، أكثر من شهر فى قصر سعد آباد ذلك أنه تولى السلطة رئيسا للجمهورية بعد بنى صدر يوم 2 أغسطس 1981، لكنه لقى حتفه يوم 30 أغسطس 1981، حين تسلل مسعود الكشميرى الناشط فى حركة مجاهدى خلق إلى مكتب رئيس الوزراء فى ستار مسؤول أمن الدولة ووضع حقيبة بها متفجرات بين الرئيس رجائى ورئيس وزرائه محمد جواد باهنر؛ فانفجرت فيهما ورحلا عن عالمنا.
شغل محمد على رجائى، منصب أول رئيس للوزراء فى الفترة من 12 أغسطس 1980 - 4 أغسطس 1981 فى حكومة أبو الحسن بنى صدر، ثم شغل منصب وزير الخارجية لفترة 5 أشهر من 11 مارس 1981 حتى 15 أغسطس 1981م.
اللافت فى واقعة اغتيال رجائى أن المستفيد الوحيد منها كان آية الله على خامنئى، الذى سارع وترشح لمنصب الرئيس وفاز بالفعل بالمنصب الرفيع ليصبح ثالث رئيس للجمهورية الإيرانية الإسلامية، وخرج من الرئاسة فى قصر سعد آباد إلى منصب المرشد بعد موت الخمينى عام 1989 ليصبح رئيس الجمهورية الوحيد الذى لم ينكل به، ولم تطله يد النفى أو الإقصاء أو الاغتيال أو التهديد بالحبس.
رفسنجانى.. الموت بالسم الزعاف
هاشمى رفسنجانى
رحل آية الله روح الله الموسوى الخمينى يوم ٣ يونيو بالعام ١٩٨٩م، وفورها اقترح رئيس مجلس الشورى، هاشمى رفسنجانى، أن يتولى منصب المرشد رئيس الجمهورية على خامنئى، وبالفعل نجح فى مخططه وبدلا من أن يدين خامنئى لرفسنجانى بالوفاء طيلة حياته، بارزه العداء وناصبه أشد درجات التنافس والمناكفة لدرجة جعلته يصدر قرارات باعتقال أبناء وبنات رفسنجانى، حتى يجبره على الصمت وعدم انتقاد نظام الجمهورية.
لم يصمت رفسنجانى الذى تولى رئاسة إيران من 3 أغسطس 1989 حتى 3 أغسطس 1997م، وظل محافظا على انتقاده الشديد لسياسات على خامنئى ووصل به الانتقاد إلى أن اقترح تأسيس مجلس مكون من 3 أشخاص بدلا من منصب المرشد، وهو الأمر الذى مثل علامة فاصلة وخطا أحمر فى نظرة خامنئى إلى رفسنجانى.
عمل خامنئى على تحييد رفسنجانى، عن طريق وضع السم فى الدواء (على الطريقة الروسية) وتم استثمار إصابة رفسنجانى بوعكة صحية، ولم يسمح أمن المستشفى لأطبائه بمرافقته، بحجة أنه ليس فى حاجة لهم، وأن لدى المستشفى أطباء أكفاء سيعملون على معالجته، ولم يعلن النظام الإيرانى عن أسماء هؤلاء الأطباء، كما لم تعلن تفاصيل التقرير المتعلق بكيفية وفاته، وهو أمر يرجح اغتياله، كما أشار إلى ذلك نجله مصطفى وعدد من قادة التيار الإصلاحى والمعارضة بالداخل.
خاتمى.. الصمت أو العقاب
محمد خاتمى
عندما تولى الرئيس محمد خاتمى، السلطة فى إيران يوم 2 أغسطس 1997، مثل صعوده هذا إلى قمة العمل التنفيذى فى طهران لطمة قاسية على وجه المرشد الأعلى المتشدد على خامنئى، الذى لم يكن يتصور أبدا أن يكون ثانى أهم منصب بالبلاد فى يد رجل فيلسوف ومفكر ومجدد بحجم خاتمى، وهكذا ناصبه العداء وعمل على تحجيم نفوذه ودوره فى إصلاح إيران حتى غادر المنصب يوم 3 أغسطس 2005.
بعد ذلك لعب خاتمى دورا كبيرا فى توحيد جبهة الإصلاحيين والمثقفين بالداخل الإيرانى وهو ما أزعج خامنئى بشدة، ولذلك أوصل له رسائل متعددة مفادها إما الصمت وإما العقاب، غير أن خاتمى لم يصمت وواصل انتقاده لسياسة الجمهورية الانغلاقية المتشددة خاصة فى الفترة من 2005 حتى 2013، وهى فترة الرئيس محمود أحمدى نجاد، وهنا قرر خامنئى توقيع العقاب عليه.
كان عقاب خامنئى بسيطا جدا، وهو إخراس خاتمى بطريقته الخاصة، عن طريق منع ظهوره فى أى وسيلة إعلام إيرانية مسموعة أو مرئية أو مقروءة، وفى 2005 نجحت تلك الوسيلة فى إخراس الرجل لكن مع دخول العالم عصر مواقع التواصل الاجتماعية، عاد خاتمى ومارس هوايته فى كشف فساد سياسات خامنئى عن طريق منصاته الاجتماعية، وأعلن فى أكثر من مناسبة انتقاده للرجل الذى لم يترك أى شخص دخل قصر سعد آباد رئيسا إلا ونال منه بكل الوسائل.
نجاد.. كلمة أخرى قبل الحبس
محمود أحمد نجاد
الرئيس السادس لإيران محمود أحمدى نجاد، تولى رئاسة الجمهورية فى الفترة الواقعة بين 3 أغسطس 2005 حتى 3 أغسطس 2013، حين انتهت ولايته وصعد إلى الرئاسة الرئيس الحالى حسن روحانى.
وبالرغم من أن محمود أحمدى نجاد، رجل محافظ وينتمى إلى أقصى فئات المحافظين تشددا وكان مقربا ومدعوما وموثوقا من خامنئى، إلا إن الأخير انقلب عليه فى الفترة الرئاسية الثانية وهاجمه بعنف بل ووجه وسائل إعلام الدولة، لاسيما وكالات الحرس الثورى، بالهجوم عليه لدرجة جعلت وكالة فارس الذراع الإعلامية لمؤسسة الحرس الثورى تقول إن والدة نجاد لها أصول يهودية.
بعد أن غادر المنصب وعزم على ترشيح نفسه مجددا أمام حسن روحانى فى انتخابات مايو الماضى، قضت لجنة انتخابات الرئاسة بمجلس صيانة الدستور بعدم أهليته واتهمته دوائر قضائية بالفساد المالى والإدارى فى أثناء فترتيه الرئاسيتين.
لكنه واصل انتقاده للنظام، فخرج المدعى العام فى طهران، عباس جعفرى دولت آبادى، ووجه تهديدا بملاحقة نجاد، قضائيا بسبب رسالة وجهها الأخير إلى خامنئى، اشتكى فيها من اعتقال مساعده السابق حميد بقائى بتهم فساد، معتبرا الأمر أنه "ظلم كبير"، وقال المدعى العام إن نقاطا فى رسالة أحمدى نجاد بخصوص اعتقال معاونه، تحتوى على مضمون "إجرامى" يمكن أن يعاقب عليه، وبالتالى فهم المراقبون أن نجاد بصدد التحدث بكلمة واحدة فقط قبل أن يصدر قرار بحبسه.
وهكذا اتضح أن مصير كل رئيس يتولى السلطة فى قصر سعد آباد الرئاسى التاريخى، محصور بين النفى والاغتيال والإقصاء والتهديد بالحبس، ولم يتبق إلا الرئيس حسن روحانى الذى تقلد الرئاسة لدورة رئاسية ثانية، وما علينا سوى الانتظار حتى يكمل دورته ويغادر القصر، ونرى مصيره المحتوم فى ظل صراعه الكامن مع المرشد الأعلى للجمهورية على خامنئى.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة