لا يجب أن يكون الاحتفال بذكرى وفاة الزعيم الخالد جمال عبدالناصر بالثنائية المعتادة.. الهجوم عليه أو الدفاع عنه، فالهجوم لا يليق برئيس مصرى عظيم، إيقظ فى النفوس معانى الوطنية والكبرياء والكرامة، فأحبه الناس وظل شموخه باقيا حتى اليوم، أما الدفاع عنه فغير مقبول بعد 37 سنة من وفاته، حاول خصومه خلالها النيل منه، ولكنه انتصر عليهم فى مماته مثلما قهرهم فى حياته، عبدالناصر ترك فينا اشياءً جميلة، تستحق أن نسلط عليها الأضواء، ونقيّم الاخطاء فى ضوء الظروف التاريخية الصعبة، التى عاشها ومرت بها البلاد.
عبدالناصر كان رمزا للاستقلال الوطنى، لم يفرط فى ولم يساوم ولم يتنازل، فتحالفت ضده قوى الشر، التى مازالت تدبر مكائدها حتى اليوم، فهم يعلمون جيدا أن مصر هى قلب العروبة النابض، وإذا استيقظ الحلم العربى فى ربوعها، هبت نسماته من المحيط إلى الخليج.. فتآمروا حتى انفرط العقد العربى وتبعثرت حباته، وأصبح كوابيس تخنق شعوبا كانت تؤمن بأن الثورات هى طريق الخلاص، وسرت عدوى الاستقلال بين الشعوب التى قال لها عبدالناصر «ارفع رأسك يا أخى».
واجبنا أن نقطف من بستان الحرية الذى غرس جذوره عبدالناصر، ورود نهديها لأشقاء فقدوا الأمان والأوطان.. شعوب صارت تؤمن بأن حريتها فى الانفصال والاقتتال، واشعال الفتن الدينية والعرقية، فابحثوا فى ذكرى عبدالناصر عن قيمة، بدلا من نصب سيرك الجدل العقيم حول زعيم آمن بعروبته حتى الموت، ومازال كثيرون يقولون «فين أيامك يا زعيم».
عبدالناصر عاش ومات من أجل فلسطين، وأسلم روحه إلى بارئها بعد أن أوقف مذبحة أيلول الأسود، وفلسطين الآن أحوج لمن ينقذها، ويوحد قادتها المتصارعين على كعكة سلطة، لم توضع بعد على المائدة، فكل فرصة ضائعة تساوى فقدان قطعة أرض، وما أسعدها إسرائيل التى لم تكن تحلم يوما، بأن تهزم العرب دون حروب، فقد هزموا أنفسهم ورفعوا رايات الاستسلام، ولا تنسوا أن عبدالناصر لم يسع لحرب، بل فرضت عليه بالتوريط.
احتفلوا بذكرى عبدالناصر بأغانى الثورة، وما أحوجنا أن نتحمس لمصر، وأن يعود الإلهام إلى صناع الوعى، فيعيدون صياغة منظومة عشق الوطن، ونحافظ عليها ونرفع رايتها فوق كل الرايات، مصر الباقية والجميع زائلون.. مصر التى يحيينا هواؤها ويروينا نيلها ونعيش ونموت على أرضها.. رحم الله جمال عبد الناصر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة