مضى أكثر من 100 يوم على الأزمة القطرية، ومع ذلك لا تزال الدوحة غير قادرة على استيعاب الموقف، والتسليم بصحة وعدالة الدوافع التى حركت مصر والسعودية والإمارات والبحرين لكى تتخذ إجراءات غير مسبوقة ضد حكومة قطر، وليس ضد الشعب القطرى، فعلاقات الشعوب باقية ومستمرة، وعلاقات الحكام متغيرة، ومع ذلك لا يمكن تجاهل أن الشعوب قد تضررت من إجراءات قطع العلاقات الدبلوماسية وإغلاق الحدود ومنع خطوط الطيران والملاحة البحرية مع قطر، لكن المؤكد أن الشعب القطرى يعلم جيدًا أن حكومته هى المتسببة فى الأزمة وفى الآثار السلبية الناجمة عن تلك الأزمة.
حكومة قطر تحاول إنكار الأزمة، وإنتاج خطاب مظلومية يدّعى التماسك وضرورة الصمود، لكن أى صمود فى مواجهة مطالب عادلة تتمثل فى وقف دعم قطر للإرهاب، وانتهاج سياسات تخريبية ضد العديد من الدول العربية والإسلامية، وأعتقد أن مطالب الدول الأربع تصب فى مصلحة الشعب القطرى الذى تقوم حكومته بتبديد أمواله فى تمويل مغامرات سياسية ودعائية، تخدم منظمات وحركات إرهابية حول العالم، ولا تصب فى مصلحة الشعب القطرى الشقيق.
فليس من المصلحة الوطنية القطرية تمويل جماعات إرهابية أو استضافة إرهابيين مطلوبين للعدالة فى دولهم، وعلينا أن نتذكر درس التاريخ، وهو أن دعم جماعات إرهابية هو عملية خطيرة للغاية تؤدى فى النهاية إلى انقلاب تلك الجماعات ضد من كان يرعاها ويمولها، ولنتذكر هنا علاقة أمريكا بالقاعدة وطالبان، وكيف أنها قدمت الدعم المالى والعسكرى لهما، ثم انقلب السحر على الساحر، وذاقت أمريكا الأمرين على يد القاعدة وطالبان. كذلك علاقات الرئيس السادات بالإخوان، حيث استعان بهم لضرب الناصريين والشيوعيين فى منتصف السبعينيات، لكنهم انقلبوا عليه، ثم كان اغتياله على يد جماعة إرهابية تعلمت الكثير من أفكار الإخوان.
ما تدعيه حكومة قطر من صمود هو عملية دعائية ساذجة، فقطر دويلة صغيرة وأوضاعها الجيوسياسية لا تُمكّنها من الابتعاد عن محيطها الخليجى والعربى، لأن البديل هو الوقوع فى يد إيران وتركيا وقوى دولية أخرى، والمفارقة أن حكومة قطر تنكر هذه المعطيات الجيوسياسية، وتحاول كسب الوقت والمناورة على أمل تحسين شروط التفاوض مع الدول الأربع، وذلك من خلال الحج إلى العاصمة الأمريكية، ودفع الرئيس الأمريكى للتوسط فى الأزمة، وإقناع الدول الأربعة بتغيير مواقفها والتنازل عن بعض مطالبها، ولاشك أن وساطة ترامب لها أثمان باهظة، علما بأن هناك تقارير تؤكد أنه هو الذى شجع الدول الأربعة على اتخاذ موقف حاسم من قطر.
وقبل الحج إلى واشنطن بذلت قطر جهودًا دبلوماسية ودعائية نشطة، بهدف إكساب الأزمة أبعادًا دولية وإقليمية وهو سعى لا يصب فى مصلحة قطر ودول الخليج، لأنه يسمح بلاعبين جدد للتدخل، خاصة إيران وتركيا، فى خصوصية العلاقات التاريخية الخليجية، كما اعتمدت حكومة قطر على دبلوماسية عقد صفقات بمليارات الدولار لشراء أسلحة من أمريكا وإيطاليا وبريطانيا، وعقد صفقات تجارية مع تركيا وإيران.. كل ذلك لا فائدة منه، لأن ما يحركه هو أوهام الحكومة القطرية بأنه يمكن شراء سياسات الدول ومواقفها من خلال هذه الصفقات التى تبدد أموال الشعب القطرى وأجياله القادمة.
وعلى مستوى آخر حاولت حكومة قطر توظيف واستغلال موسم الحج، حيث ادعت أن إغلاق الأجواء والطرق مع السعودية حال دون قيام المواطنين القطريين بمناسك الحج لهذا العام، وذلك فى محاولة مكشوفة للإساءة إلى دور السعودية فى استضافة الحجاج من شتى بقاع الأرض، وقد رفضت الدوحة مبادرة خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبدالعزيز لإرسال طائرات سعودية لنقل الحجاج القطرين واستضافتهم على نفقته الخاصة.
وبالتوازى مع التحركات الدبلوماسية القطرية واستخدام ورقة الحج، شنت الجزيرة وأخواتها حملات دعائية ضد دول التحالف الأربعة، كما وظفت قطر إعلاميين ووكالات علاقات عامة أمريكية وأوروبية فى محاولة لكسب النخبة والرأى العام الغربى لصالحها، حيث أنتجت الآلة الدعائية القطرية، وهى بالمناسبة قوية ومنتشرة، خطاب يقوم على ادعاء المظلومية، فقطر دولة صغيرة محاصرة من أربع دول، تفرض عليها شروطًا ومطالب تعتبر تدخلاً فى سيادتها الوطنية، وفى حرية الإعلام بقطر، والمقصود هنا طبعا الجزيرة.
والحقيقة أن خطاب المظلومية القطرى لا يصمد أمام الحقائق التى تقول أن قطر هى أول من تدخل فى سيادة الدول الأخرى ومول ودعم حركات إرهابية تهدد الأمن القومى السعودى والمصرى والخليجى، أما عن حرية الإعلام فى قطر فإن الجزيرة لا تناقش الأوضاع داخل قطر، وتركز على إنتاج خطاب نقدى متحيز وغير متوازن ضد أغلب الدول العربية وخاصة مصر والسعودية، ما يعنى أنه لا علاقة للجزيرة بحرية الإعلام أو نشر الفكر الديمقراطى، فهى أداة من أدوات السياسة الخارجية لقطر تغضب وتنتقد أوضاع أى دولة عربية تختلف مع حكومة قطر، وتؤيد أى دولة تلتقى مصالحها مع قطر.
قناعتى أن خطاب المظلومية لن يؤثر ولن ينقذ حكومة قطر، التى لا سبيل أمامها سوى القبول بمطالب الدول الأربع والوساطة الكويتية والتفاوض الجاد حولها، ولن تستفيد الدوحة من محاولاتها المكشوفة لكسب الوقت وإطالة أمد الأزمة، لأنها هى المتضرر الوحيد من ذلك.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة