تقرير هيومان رايتس الأخير هو الأسوأ فى تاريخ تلك التقارير السوداء، التى تصدرها ضد مصر، جاء مشفوعاً بالغل والكراهية وتصفية الحسابات، واستخدم لغة عدائية، لا تمت لحقوق الإنسان بصلة، وإنما بلغة ابتزاز سياسى، وتصوير مصر وكأنها غابة تنتهك فيها حقوق الإنسان، وترديد مزاعم وادعاءات مرسلة ليس لها سند أو دليل، وسبق أن تناولتها تقارير المنظمة، وردت عليها السلطات المصرية، فلماذا يعاد الآن تكرارها؟
عندما يتحدث التقرير عن «انقلاب عسكرى» فهو يتجاهل الحقائق الثابتة على أرض الواقع، وأهمها أن المصريين هم الذين استردوا وطنهم، وأن شرعية الشعوب فوق أى شرعيات زائفة، وتعلو فوق مختلف الجماعات، وترسخت معالم الشرعية بإجراء انتخابات برلمانية، وإصدار دستور جديد، وانتخابات رئاسية، اختار فيها الشعب رئيسه بطريقة ديمقراطية شهد لها العالم أجمع، والانقلابات العسكرية لا تقيم أنظمة ديمقراطية ولا تصدر دساتيراً ولا تعترف بانتخابات، وهذا ما تتجاهله هيومان رايتس.
«الانقلاب العسكرى» تعبير تردده جماعة الإخوان المسلمين، وتزين به دعايتها الكاذبة منذ إزاحتها عن السلطة، وكان أحرى بمنظمة تدعى الحياد، وتزعم أنها تدافع عن حقوق الإنسان، أن تبتعد عن الهوى السياسى، ولا تكشف نواياها العدوانية، ولا أن تكون بوقاً لجماعة إرهابية، إجرامية تآمرت على البلاد مع قوى خارجية، وأدين قادتها فى محاكمات طويلة أمام المحاكم المختصة فى قضايا تمس الأمن القومى، وصدرت أحكاما ضدهم بالتجسس.
لم يكن انقلاباً، وإنما «انعدال» إذا صح التعبير، استهدف الحفاظ على هوية الدولة المصرية ومكوناتها ومؤسساتها، بعد أن حاولت الجماعة الإرهابية خلال عام حكمها، أن تجرد الوطن من هويته وثقافته وتاريخه الطويل، وتستبدله بمكونات أخرى، وثقافة أخرى وقانون ودستور ومؤسسات، لا تتبع الدولة المصرية، وإنما تمثل الجماعة التى تسعى إلى تحويل نظام الحكم من «الجمهورى» إلى «الخلافة».
لو حدث فى أى دولة فى العالم أن جاءت للحكم جماعة أو تنظيم أراد أن يختطف البلاد، ويغير نظامها ويستبدل قوانينها، وتقيم على أنقاضها دولته الخاصة، من المستحيل أن تصمت تلك الدول على ذلك، وهذا ما فعلته مصر، عندما تصدى الشعب لمحاولة «أخونة» دولته والسطو عليها، لصالح جماعة مغامرة، اتخذت الحكم سبيلاً للانقلاب على الدولة والقانون والشرعية، ولم تكن هذه الوسائل الديمقراطية إلا مجرد وسيلة للوصول إلى السلطة ثم تنقلب عليها.
السؤال الأهم هنا: من أعطى تلك المنظمة الحق لتدس أنفها فى الشأن الداخلى المصرى؟ من هى ومن الذى يمولها وينفق عليها ويحرك تقاريرها ويستخدمها كسلاح فاسد، لابتزاز الدول المستقلة ذات السيادة؟ من الذى منحها تلك القوة والوقاحة؟ وكيف يتم السماح لها لانتهاك أراضينا والخوض فى أمور تتعلق بالشأن السياسى المصرى؟
هيومان رايتس ترتكب جرائم سياسية تغلفها بإطار قانونى، فهى تدعم الإرهاب وتروج له وتتبنى أفكاره، وتبتز الدول والحكومات لصالح الإرهابيين، وتزور وتلفق التقارير التى تصدرها لتحقيق أهداف سياسية تحت مظلة حقوق الإنسان.
لم نسمع - مثلاً - أن المنظمة أصدرت تقريراً واحداً، يدين الجرائم الهمجية التى ترتكبها داعش وسائر الجماعات الإرهابية، واغتصاب النساء وبيعهن فى أسواق النخاسة فى سوريا والعراق، ولم تصدر تقريراً واحداً للدفاع عن حقوق الإنسان، لجنودنا وضباطنا الأبطال شهداء العمليات الإرهابية، وكأنهم ليسوا «إنسان» وليست لهم «حقوق»، ولكنها تهب وتنتفض للدفاع عن الإرهاب والإرهابيين، الذين يروعون الوطن والمواطنين، وتغفل حقوق من يدافعون عن الإنسان وحقه فى الحياة الآمنة المطمئنة، فمن الذى له الحق فى الحياة، القاتل الذى يحمل سلاحاً أم المواطن الذى يدافع عن نفسه؟
تقرير هيومان رايتس يعكس روح الترصد والعدوانية، عندما يقول إنه استقى معلوماته من 19 شاهداً، ولا تخرج شهاداتهم عن نفس الأكاذيب التى ترددها الدوائر الإخوانية، وحكايات وقصص وهمية من نسج الخيال عن التعذيب فى السجون، وتعودنا أن نقرأ هذه الأكاذيب منذ نشأة الجماعة سنة 1928 حتى الآن، نفس القصص والحكايات حول التعذيب، يتم إعادتها مع تغيير فى بعض التفاصيل لتساير العصر، نفس الاتهامات تم ترويجها قبل الثورة، أيام الملك فاروق وضد عبدالناصر والسادات ومبارك والمجلس العسكرى، أما الفترة الوحيدة التى توقفت فيها تقارير هيومان رايتس، فكانت أثناء حكم الإخوان، رغم أنها شهدت أكبر اعتداءات تنال حقوق الإنسان.
هيومان رايتس تردد اتهامات باطلة، دون أن تتأكد من صحتها، فليس مهماً عندها إلا أن ترفع سيف على الرقاب، وآخر شىء تفكر فيه هو حقوق الإنسان، لأنها لا تختزل فى الدفاع عن إرهابيين حملوا السلاح، وقتلوا مواطنيهم وخربوا بلادهم، ثم تأتى المنظمة المشبوهة، وتضفى عليهم صفات إنسانية، هم أول من انتهكوها.
والسؤال الأهم هنا: من هى المنظمات الحقوقية المصرية، التى تتعامل مع هذه المنظمة المشبوهة، وتزودها بالمعلومات الكاذبة؟ ولماذا لا تعلن المنظمات الوطنية براءتها من تلويث سمعتها، وانحيازها إلى الدفاع عن حقوق الإنسان بمفهومها الصحيح، وليس الدفاع عن حقوق الإرهاب، خصوصاً أن أصابع الاتهام تنال جميع المنظمات الحقوقية، سواء كان لها دور أم لا؟
عندما تزعم هيومان رايتس أن من حقها أن تطالب بمحاكمة من تورطوا فى انتهاكات حقوق الإنسان فى مصر، فنحن من حقنا أيضاً أن ندعو لمحاكمة هذه المنظمة التى تدافع عن حقوق الإرهاب وجرائمه، وليس مقبولاً الصمت على هذا الانتهاك الصارخ للسيادة المصرية، دون رد حاسم من كل فئات المجتمع وتياراته السياسية والحزبية.
لا تصمتوا.. لأن تقرير هيومان رايتس الأخير، بداية لهجوم سافر على مصر، ويجب أن نتصدى له بكل قوة، بالحجج والأسانيد والأدلة والبراهين، وفوق ذلك أن تتلقى هذه المنظمة الشاردة صفعات لتفيق من انحيازها وعدوانيتها.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة