يبدو أن مقولة «الكفن ليس له جيوب» ليست صحيحة، بعد تعدد سقوط رموز الفساد، رغم أن الظروف التى مرت بها البلاد وبعد 25 يناير، تحتم أن يسير الجميع على الصراط المستقيم بعد أن تطايرت رؤوس وفتحت زنازين، وساد الخوف والرعب وسلطت السيوف على الرقاب، فمجنون من يفكر فى استباحة المال العام، وأكثر جنوناً من لم يتعظ بالدرس، بعد البهدلة والسجن والمحاكم والعار وتشويه السمعة، بماء نار المال الحرام.
مجنونة نائبة محافظ الإسكندرية، التى تورطت فى وقائع فساد، وتسهيل الرشوة والتربح والإضرار بالمال العام، فما جنته حراما ستدفعه مضاعفاً وما تصورت أنه لن يتم الكشف عنه، أصبح موضوعاً للتجريس، وتصدرت صورتها و أخبارها صفحات الجرائد ونشرات الأخبار تحت عنوان الفاسدة، ولست أدرى كيف يمكن أن تفكر امرأة بهذا الشكل، وهى تعلم جيداً أن سقوطها خراب لبيتها وعار لأولادها ونهاية لأسرتها، ماذا تقول لهم الآن، ونحن مقدمون على أيام مباركة، وهل تساوى كنوز الدنيا أن تمضى إجازة عيد الأضحى المبارك فى السجن وراء القضبان تتسول زيارة الأهل والأبناء، وهم يترددون فى الذهاب إليها.
ملعون أبو المال الحرام الذى يتحول إلى نار تحرق صاحبه فى الدنيا والآخرة، فى الدنيا بالسجن والإهانة، وفى الآخرة عندما يسأل الإنسان عن كل مال اكتسبه، ولكن يبدو أن غواية المال أقوى من كل شىء، وله سحر يخدر العقول ويشل التفكير، ويفعل نفس مفعول الترامادول الذى يصيب الجسد كله بعدم الإحساس، فيخفض الألم، رغم أنه يدمر الأعصاب، المال الذى هو زينة الحياة الدنيا يتحول إذا كان حراماً إلى نقمة الحياة الدنيا.
مجنون من يفكر فى هذا الزمن أن يعيد إنتاج عصور الفساد، فالعيون مفتوحة والأجهزة الرقابية لا تنام، والرقابة الإدارية أصبحت حارساً أمنياً على المال العام، ويسطر رجالها كل يوم ملحمة من ملاحم الحفاظ على أموال الشعب، والضرب على أيدى الفاسدين، والوصول إليهم مهما بلغت مهارتهم وحيلهم وصار هذا الجهاز نائباً عن كل الشعب الذى يريد حماية مكتسباته من اللصوص.
أصبحت الرقابة الإدارية نقطة مضيئة فى البلاد وأزاحت عن كاهل الأجهزة الرقابية فى العهود الماضية، صفات جعلتها مكروهة من الرأى العام، وأصبحت سمعتها الآن فى السماء، وتتمتع بسيرة طيبة، ويتسم رجالها بالخبرة والكفاءة والعلم والمثابرة، ويعتمدون على أحدث الرسائل التكنولوجية فى العالم، وحصلوا على دورات تدريبية رفيعة المستوى جعلتهم يديرون أخطر القضايا والملفات، بمنتهى الحكمة والبراعة والهدوء انتهى عصر المخبرين والدسائس، وبدأت مرحلة جديدة يتصدرها رجال على أعلى مستويات الأجهزة الرقابية فى العالم.
الرقابة الإدارية عيون ساهرة فى كل المواقع، ورغم ذلك لا تعلن كثيراً عن القضايا التى يتم ضبطها، حتى لا تحدث ردود أفعال سلبية من المتربصين، الذين يشيعون أن مصر تعوم فوق بحيرة من الفساد، رغم أن كثرة القضايا المضبوطة لها معان عكس ذلك تماماً، وأهمها جدية النظام السياسى فى ضبط إيقاع الأداء الحكومى، وتثبيت قدسية المال العام، وتحريم الاعتداء عليه بأى صورة من الصور، نظام لا يحمى فاسد ولا يغمض عينه عن إهدار أموال، هو أمين عليها من صاحبها الحقيقى وهو الشعب.
كان من الطبيعى أن تتراجع قضايا الفساد، فى ظل نظام حكم، أكد استراتيجياته الثابتة بالحرب ضد الفساد، أياً كان مرتكبوه ومراكزهم وشهرتهم، فلا حماية لأحد ولا إدانة لأحد إلا بالقانون، وتحت مظلة الإجراءات التى تحقق العدالة للجميع، فقد انتهى عصر الدولة البوليسية، التى تكيف قراراتها الجنائية وفقاً لأهواء سياسية.
الرقابة الإدارية لا تعمل بمعايير سياسية، ولا يعنيها أن يكون الفاسد مسئولاً كبيراً، أو وزير أو رجل أعمال صاحب سطوة ونفوذ، وتلهث وراءه الفضائيات، ولا يهمها إلا أن تكون العدالة معصوبة العينين، ولا تتأثر بضغوط سياسة أو مراكز اجتماعية، وأثبتت بالأدلة القاطعة عدالة التحقيقات وشفافيتها، وإنما تتسم بأعلى درجات الالتزام بالقواعد والإجراءات القانونية.
مجنون من يفكر فى هذا الزمن أن يكون مرتشياَ، فالمال الحرام سوف يصبح ناراً تحرقه بلا رحمة.. والسجن هو المقصلة البطيئة، من يدخله فى مثل هذه القضايا، لا يخرج منه إلا على قبر الدنيا أو قبر الآخرة، وكلاهما أصعب من الآخر، وأمامنا وزير الزراعة السابق الذى كان ينعم بجاه المنصب وجاه اللقب، وفجأة تحول إلى مرتشي، لم ينفعه منصب أو جاه، و يا ويله فى ليال السجن الطويلة التى لن تترك منه شيئاً يورثه لأولاده و أحفاده.
لن أتحدث عن معايير الشفافية، وموقع مصر وفقاً للمعايير الأكثر أو الأقل، فهذا كلام لا يعنى الا الدارسين والمتخصصين، ولكن الرأى العام لا يهتم إلا بسريان العدالة كى تحمى أموال الشعب ومكتسباته، وتقطع أيدى اللصوص الذى يسرقون قوته ومستقبل أبنائه المثل يقول «لا يهم أن يكون أبيض أو أسود، ولكن المهم أن يمسك الفأر»، والفئران التى تختبئ فى الجحور كثيرة، وتبتكر حيلاً وأساليب للفساد والانحراف وتتعدد وسائلها، من الأموال السائلة حتى الرشاوى الجنسية.
الفاسدون يظنون أن الكفن له جيوب، سيملأه أموالاً وهم فى القبر، لكنهم سيكتشفون بعد فوات الأوان أن القبر هو الذى ليس له جيوب.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة