تنظم منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "اليونسكو" والمجلس الدولى للفلسفة والعلوم الإنسانية ومؤسسة لييج، المؤتمر العالمى للعلوم الإنسانية تحت شعار "التحديات والمسئوليات فى عالم متغير" فى لييج فى بلجيكا فى الفترة من 6 إلى 12 أغسطس 2017.
ويهدف المؤتمر إلى النظر فى الأسس التى تقوم عليها العلوم الإنسانية، إضافة إلى دورها ومساهمتها فى المجتمعات المعاصرة، كما يهدف إلى إيجاد أفكار جديدة من شأنها تمكين العلوم الاجتماعية من إثراء التفكير وتوجيه العمل والسياسات العامة، واستعادة المكانة التى أضاعتها خلال العقود الماضية فى النقاشات العامة حول العلوم التطبيقية.
ويشارك فى المؤتمر قرابة 1800 شخص من العلماء والأكاديميين من بينهم المؤلفة الإيفوارية " تانيلا بوني"، و"سليمان بشير ديان" أستاذ اللغة الفرنسية فى جامعة كولومبيا (الولايات المتحدة الأمريكية)؛ و"هيرفيه هاسكين" الكاتب والسياسى البلجيكى، و"كومى إينوس" نائبة رئيس المجلس العلمى اليابان، و"بول شريفاستافا " مدير معهد الاستدامة فى جامعة بنسلفانيا (الولايات المتحدة الأمريكية)، وصناعو القرار والمبدعون وممثلون عن بعض المنظمات الحكومية الدولية والمنظمات غير الحكومية الذين سينظرون فى عدد من المسائل المتمحورة حول الأسئلة التالية: كيف يمكن التصدى للتغيرات المناخية دون فهم أسبابها؟ كيف يمكن إدارة النزاعات القائمة على الهوية دون دراسة التجارب المشتركة؟ كيف يمكن فهم العالم المحيط بنا بدون فهم العوامل الثقافية؟.
وستخصص فى إطار 6 جلسات عامة مناقشات لمجموعة من المواضيع المعنية بالإنسان والبيئة والهويات الثقافيّة والتنوع الثقافى والتراث الثقافى والحدود والهجرة والتاريخ والذاكرة والسياسة والعلوم الإنسانيّة فى عالم يمر بمرحلة انتقالية.
وفى السياق العالمى الراهن، تعد العلوم الإنسانية ضرورية للمساعدة فى التصدى للتحديات الرئيسة التى يواجهها العالم اليوم، وبلوغ أهداف التنمية المستدامة المحددة فى خطة عام 2030 التى اعتمدتها الأمم المتحدة عام 2015.
ومن خلال المعرفة العلمية والتفكير النقدى والتحليل الدقيق للمفاهيم والتعبير عن القيم ووجهات النظر، يمكن للعلوم الإنسانية أن تساعد فى بناء مجتمعات مستدامة وشاملة.
ويحتوى التقرير العالمى للعلوم الاجتماعية 2016 "مواجهة عدم المساواة – الطريق نحو عالم عادل اليوم"، على مساهمات أكثر من 100 خبير، كما أشرفت على التقرير لجنة استشارية علمية مؤلفة من نخبة من الأكاديميين من كل المناطق ومن بينهم جوزيف ستيجلز الحاصل على جائزة نوبل فى الاقتصاد.
وتم إعداد التقرير من قبل المجلس الدولى للعلوم الاجتماعية بالتعاون مع معهد دراسات التنمية فى جامعة ساسكس فى المملكة المتحدة، وبتمويل من الوكالة السويدية للتعاون الإنمائى الدولى واليونسكو والوكالة السويسرية للتنمية والتعاون والمؤسسة الأوروبية للعلوم وجمعية البحث العلمى الهولندية ومجلس البحوث النرويجى ومؤسسة المئوية الثالثة لبنك السويد ومجلس الأبحاث السويدي.
ويسلط التقرير الضوء على الفجوات الكبيرة فى بيانات العلوم الاجتماعية بشأن حالات عدم المساواة فى مناطق مختلفة فى العالم، بهدف الدفع بعجلة التقدم نحو مجتمعات أكثر شمولية.كما أوضح أنه لا يزال للعلوم الاجتماعية الغربية أكبر تأثير على المستوى العالمي، لكن نطاق هذا المجال يتسع بسرعة فى آسيا وأمريكا اللاتينية، لاسيما فى الصين والبرازيل.
وفى إطار أفريقيا جنوب الصحراء الكبرى، ينتج العلماء الاجتماعيون فى جنوب أفريقيا ونيجيريا وكينيا 75% من المنشورات الأكاديمية، ويحتل مجال العلوم الاجتماعية ككل مرتبة متدنية فى سلم الأولويات فى جنوب آسيا، باستثناء عدد من مراكز الامتياز فى الهند.
كما يسلط التقرير الضوء على أن التركيز على أبحاث العلوم الاجتماعية بشأن حالات عدم المساواة موجود على الأغلب فى الدول المتقدمة التى تمتلك بيانات موثوقة بهذا الخصوص، فى حين أن الدول النامية تفتقر لمثل هذه البيانات الموثوقة، حيث تجاوزت نسبة المنشورات فى مجال العلوم الاجتماعية والإنسانيّة بشأن عدم المساواة والعدل الاجتماعى فى كل من أمريكا الشماليّة وأوروبا الغربيّة 80% بين عامى 1992 و2013 (وتضم هذه الأبحاث أعمال الاقتصاديين وعلماء النفس والاجتماع)، فى حين أن نسبة هذه الأبحاث فى كل من أفريقيا جنوب الصحراء وأمريكا اللاتينية لم تتجاوز 3% و2% على التوالي.
ومن أبرز ما كشفه التقرير العالمى الصادر فى ستوكهولم أن 1% من سكان الكرة الأرضية يمتلكون نصف ثروات العالم، وأن الثروة الشخصية لأغنى 62 مليارديرا فى العالم تعادل الثروة المجمعة لأكثر من5ر3 مليار من أبناء البشرية الذين يعدون من الأكثر فقرا فى العالم.
وسلط التقرير - الذى أصدرته اليونسكو - الضوء على الفجوات الكبيرة فى بيانات العلوم الاجتماعية بشأن حالات عدم المساواة فى مناطق مختلفة فى العالم، بهدف الدفع بعجلة التقدم نحو مجتمعات أكثر عدالة على الصعيد الاجتماعى، كما دعا التقرير إلى تكثيف الأبحاث فى مجال العلاقة بين جوانب عدم المساواة الاقتصادية من جهة وبين مجالات أخرى مثل الجنس والتعليم والصحة من جهة أخرى.
يذكر التقرير أن تزايد عدد حالات عدم المساواة وضرورة إيجاد حل لهذه المسألة يشغل الحكومات والمؤسسات وقادة المجتمع المدنى والمواطنين حول العالم، فإن قضية الحد من عدم المساواة هى قبل أى شيء مسألة إنصاف وعدالة اجتماعيّة، كما أنّ الحد من عدم المساواة يسهم فى القضاء على الفقر المدقع، وتعزيز التحولات نحو الاستدامة والتقدّم المدنى والحد من النزاعات وحالات العنف وتطوير أنظمة حكم شاملة.
كما أوضح التقرير حقيقة أنه بالرغم من وجود زيادة بنسبة خمسة أضعاف فى حجم الدراسات المعنية بحالات عدم المساواة والعدل الاجتماعى فى المنشورات الأكاديميّة بين عامى 1992 و2013، فإن الكثير من الدراسات لم تول الاهتمام الكافى لحالات عدم المساواة التى تتجاوز مجرد الدخل والثروة لتشمل مجالات الصحة والتعليم والجنس.
فى هذا السياق، يذكر التقرير سبعة أبعاد متداخلة لعدم المساواة هى : الأبعاد الاقتصادية والسياسية والاجتماعية والثقافية والبيئية والمكانيّة والمعرفية، ونظراً إلى العلاقة الوثيقة بين هذه الأبعاد، تنشأ حلقات مفرغة من حالات عدم مساواة يتوارثها جيل بعد آخر.
ودعا التقرير إلى زيادة التعاون بين القطاعات والحدود الجغرافية ومجالات الأبحاث، وذلك لمساعدة الحكومات على تطوير سياسات أكثر فعاليّة سعياً نحو مجتمعات أكثر شموليّة، ولتحقيق هذه الغاية، فإنه لابد من استغلال الشبكات الدولية ومصادر البيانات المتاحة والوصول الحر للمنشورات والبرمجيات.
وقد وصفت إيرينا بوكوفا المديرة العامة لليونسكو، التقرير الصادر مؤخرا أنه بمثابة جرس إنذار، مشيرة إلى أنه لا بد من سد الفجوة فى أبحاث العلوم الاجتماعية بشأن عدم المساواة، من أجل تحقيق الأهداف المتداخلة لخطة عام 2030 للتحولات التى لا تستثنى أى شخص فى العالم.
أما ماتيو دينيس المدير التنفيذى للمجلس الدولى للعلوم الاجتماعية، فقد أكد أننا بحاجة لأبحاث أكثر عمقا تمتد على المدى البعيد فى مجال العلوم الاجتماعية بشأن عدم المساواة المستمرة فى تقويض قدرتنا على معالجة الأولويات العالمية الأخرى، إننا بحاجة إلى تغيير كبير فى خطة أبحاث عالمية متعددة التخصصات والمقاييس.
وينذر التقرير بأن حالات عدم المساواة المتزايدة قد تهدد استدامة الاقتصادات والجماعات والمجتمعات، حيث تضعف حالات عدم المساواة هذه الجهود المبذولة لتحقيق أهداف التنمية المستدامة بحلول عام 2030.
فى نفس الوقت أصدر المجلس العربى للعلوم الاجتماعية التقرير الأول للمرصد العربى للعلوم الاجتماعية بعنوان "العلوم الاجتماعية فى العالم العربي: أشكال الحضور" لعام 2016، كما ذكر التقرير أن نوعية المعارف المنتجة ليست مرتبطة بالثروة الوطنية، بل بحرية القيام بالأبحاث، والبيئة الاجتماعية الملائمة للعلوم الاجتماعية، وأن حضور العلوم الاجتماعية فى الجامعات العربية غير متواز: العلوم الاقتصادية موجودة بكثرة، بينما الأنثروبولوجيا شبه غائبة.
وتعانى العلوم الاجتماعية العربية من فقر فى فرص التشبيك، وعادة ما تكون الجمعيات المهنية ضعيفة أو غير ناشطة، وتنشر عدداً محدوداً من الدوريات، أما بالنسبة لعلماء الاقتصاد وعلماء النفس العرب فإنهم يميلون إلى الانتظام من خلال جمعيات مهنية أكثر من علماء الاجتماع (السوسيولوجيا) والمؤرخين والاختصاصيين فى العلوم السياسية وعلم الأنثروبولوجيا.
كما أوضح التقرير أننا نجد اليوم فى العالم العربى أكثر من 430 مركز أبحاث فاعل مقارنة ب 43 مركزاً فقط قبل ثمانينات القرن الماضى، حيث تتركز أكبر كثافة لمراكز الأبحاث العربية فى لبنان وفلسطين والأردن، وذلك مقارنة بحجم السكان.
وتجذب الدوريات العربية الصادرة فى البلدان التى تتمتع بدرجة نسبية من الحرية فى القيام بالأبحاث - وخاصة فى لبنان - المؤلفين من أكبر عدد من البلدان العربية، حيث تقوم هذه الدوريات بنشر مقالات حول البلدان أكثر منها من الدوريات الصادرة فى بيئات تتمتع بهامش أقل من الحرية، وحوالى 70% من المقالات التى ينشرها علماء الاجتماع العرب تتناول بلداً محدداً أو منطقة معينة، ونجد أنه من بين هذه النسبة، أكثر من الخمس يدرس العالم العربى ككل، لكننا نادراً ما نجد مقالات حول العالم الإسلامى ككل، ويمكن تصنيف معظم المنشورات الأكاديمية فى العالم العربى "كعلم أولي"، أى أنها تشير إلى اكتشافات لم يتم تطويرها بما فيها الكفاية، لكن مع بعض الجهود الإضافية يمكن أن يتحول هذا العلم الأولى إلى علم ناضج، وتبقى الأبحاث فى مجال العلوم الاجتماعية فى المنطة العربية مبادرات منفردة، إذ إن 6% فقط من المقالات المنشورة فى الدوريات العلمية هى نتاج أبحاث تشاركية.
يذكر أن الدول الأعضاء فى الأمم المتحدة والبالغ عددها 193 دولة، اعتمدت 17 هدفاً تنموياً فى سبتمبر 2015، وهو التزام عالمى طموح بوضع حد للفقر وإيجاد حلول لحالات عدم المساواة ومواجهة التغيرات المناخية خلال السنوات الـ 15 المقبلة، هذا وترمى أهداف التنمية المستدامة التى حلت مكان الأهداف الإنمائية للألفية، إلى تحسين الظروف المعيشية وإشراك الدول الغنية والفقيرة على حد سواء فى تحقيق مجموعة من الأهداف المتداخلة، بما فيها الحد من حالات عدم المساواة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة