داخل واحدة من الجمعيات الخيرية تراه يتحرك بخفة بين متدربٍ وآخر ويشرح بحماس شديد كيفية استخدام برامج الكمبيوتر الناطقة للمكفوفين، هذه الخطوات الواثقة مع النظارة على وجهه تجعلك تشعر بالدهشة حين تعرف أن "محمد الشعراوى" هو واحد من هؤلاء المكفوفين، وتلقى تدريبه على استخدام الكمبيوتر قبل سنوات بالطريقة نفسها، وفى المكان نفسه إلا أن موهبته وشغفه جعلاه ينتقل سريعًا من مقعد المتدرب إلى منصة المدرب.
محمد الشعراوى أثناء تدريبه المكفوفين
لم تكن هذه النقلة الوحيدة فى حياة "محمد الشعراوى" خريج كلية التجارة ومدرب الكمبيوتر والحركة للمكفوفين، إذ حدثت النقلة الأكبر فى حياته عام 2004 حين فوجئ الشاب العشرينى، آنذاك، بأنه مصاب بمرض السكر، وتطور الأمر سريعًا حتى فقد بصره فى واحدة من المضاعفات القاسية للمرض، ليجد نفسه فجأة فى وضع جديد وغريب تمامًا، وأصيب الشاب الممتلئ بالحيوية والشغف بالاكتئاب ووجد نفسه حبيس المنزل وهو الشاب الطموح الذى نجح خلال سنوات قصيرة جدًا منذ تخرجه عام 2001 فى أن يصبح مديرًا لإحدى الشركات فى الغردقة.
ويحكى "الشعراوى" لـ"اليوم السابع": "أفقدتنى الصدمة التوازن لعدة سنوات وأصبت باكتئاب حاد، فالوضع كان غريبًا جدًا على وحتى أسرتى لم تعرف ماذا تفعل لتساعدنى فى هذه الحالة، ولم يجدوا من يدلهم على الطريق الصحيح.
محمد الشعراوى
استمر هذا الوضع لسنوات، وجاءت عودة محمد للحياة من جديد عن طريق الصدفة فيقول: ظل الوضع على ما هو عليه حتى التقى صديقى بأحد أصدقائه وكان كفيفًا وعرف منه أنه يعمل فسأله كيف حصلت على عمل فأخبره أنه فعل ذلك عن طريق جمعية "رسالة" الخيرية، اتصل بى صديقى فورًا فلم أكذب خبرًا وذهبت للجمعية أطلب عملاً ولكنهم أخبرونى أنهم لا يوفروا فرص عمل للمكفوفين وإنما يدربونهم على استخدام الكمبيوتر.
يتابع الشعراوى: كنا وقتها فى أواخر العام 2007 ذهبت للتدريب ولكن المدرب كان يتغيب كثيرًا فأخبرتهم أننى سأحضر جهازى الخاص وأجرب أن أتدرب مع نفسى، وخلال فترة قصيرة، وفى عام 2009 بدأت أدرب المكفوفين على استخدام الكمبيوتر.
محمد الشعراوى خلال التدريب
رغم العمل النبيل الذى انخرط فيه "الشعراوى" إلا أنه لم ينس عشقه القديم للأرقام ويقول: وقتها كان صاحب الشركة التى عملت بها فى الغردقة يفتتح مشروعًا تجاريًا فى مدينة الرحاب، كان عبارة عن سوبر ماركت كبير، ولأنه يحبنى ويثق بى عرض على أن أعمل معه، وترك لى حرية الاختيار، ولأننى أعشق لغة الأرقام فكرت فى قسم المحاسبة. اندهش صاحب العمل حين طلبت منه ذلك وأن يحضر لى جهاز كمبيوتر ولكنه كان يثق بى فوافق، وبعد 3 أسابيع قدمت له تقريرًا محاسبيًا شاملاً عن كل الأخطاء المحاسبية التى وجدتها فقرر توظيفى وقال لى ستكون مدير الحسابات. وبالفعل عملت معه وكان تحت يدى 3 محاسبين.
محمد الشعراوى يعمل على الكمبيوتر
المسافة البعيدة والوقت الطويل الذى كان يستغرقه فى الذهاب والعودة من العمل وقفا عائقًا أمام استمراره فيه أكثر من عام ويقول بحزن "كانت المسافة بعيدة، المشوار من بيتى للعمل يحتاج ساعتين ونصف للذهاب ومثلهم للعودة" وحاول بعدها العمل فى شركة ثانية ولكنه تعرض للنصب.
بعد اليأس من العمل بدأ "الشعراوى" فى 2010 الاهتمام بالجانب الحقوقى للأشخاص ذوى الإعاقة فأسس النقابة المستقلة لذوى الاحتياجات الخاصة ويقول: "الكثير من حقوق ذوى الاحتياجات الخاصة مهدرة، نحن المكفوفين بالتحديد العمل بالنسبة لنا كارثة، "محدش بيقدر" القدرات الخاصة والعمل بنسبة 5% يترجم فى أرض الواقع إلى "خليك فى البيت وتعالى اقبض كل أول شهر" وهذا هو وضعى حاليًا رغم أن لدى طاقة للعمل وأفتقد لغة الأرقام.
محاولات "الشعراوى" المستمرة للحصول على عمل امتدت من 2011 حتى 2015 قبل أن ييأس فقد راسل عشرات الشركات ويقول "رغم إنى كاتب فى السى فى إنى كفيف لكن مجرد ما يحددوا لى ميعاد ويقابلونى يقولوا لى طيب هنكلمك وماحدش يكلمنى تانى، وناس بتتريق عليا لما أقولها إنى كفيف وتهزر وحاجة مزعجة جدًا".
يضيف الشعراوى: عندى أفكار عديدة لمشروعات للاستفادة من طاقة ذوى الاحتياجات الخاصة، فلدى تصور كامل لمشروع أول مدينة صناعية كاملة لذوى الإعاقة وأطلقت مبادرة لنطوف مع زوجتى الكفيفة أيضًا العالم بالعصا البيضاء من أجل دعم الاقتصاد المصرى وتنشيط السياحة المصرية ونبذ الإرهاب ولكن الفكرة لم تحصل على الموافقات منذ طرحها عام 2013 وحتى الآن.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة