خالد عزب يكتب: جدلية الرواية والسينما عند نجيب محفوظ

الأربعاء، 19 يوليو 2017 08:00 م
خالد عزب يكتب: جدلية الرواية والسينما عند نجيب محفوظ غلاف الكتاب

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء
صدر عن المجلس الأعلى للثقافة فى مصر كتاب مهم يحلل العلاقة بين الرواية والسينما، ألفه الناقد السينمائى سامح فتحى تحت عنوان "نجيب محفوظ بين الرواية والفيلم"، ويرى المؤلف أنه عند النظر إلى طبيعة العمل الروائى والعمل السينمائى نجدهما طبيعتين منفصلتين، فكل منهما له أسسه وأجواؤه وحيثياته وبنيته الفنية الخاصة به، لكن ثمة علاقة فنية بينهما؛ إذ أن الكلمات تتحول على يد السيناريست والمخرج إلى صور نابضة حية، ويتحول الفن القرائى إلى فن مرئى ومسموع على شكل لقطات سينمائية موحية ومؤثرة. والرواية قد يقرؤها ألف قارئ بينما الفيلم الذى ينتج عن نفس الرواية من الممكن أن يشاهده آلاف المشاهدين. ولكن الرواية تتغير عندما تتحول إلى سينما وهذا يتوقف على رؤية المخرج وكاتب السيناريو.
 
وقد حولت معظم روايات نجيب محفوظ إلى أعمال سينمائية ضمها هذا الكتاب الذى أردت من خلاله تقديم نجيب محفوظ ورؤية المخرج وكاتب السيناريو للعمل من الوجهة السينمائية، مع الحرص على تقديم العملين بصورة تقريبية تامة للقارئ بحيث إن من لم يقرأ الرواية أو يشاهد الفيلم يستطيع بعد القراءة أن يتخيلهما جيدًا، ويقتربان من ذهنه، وكأنه قرأ الرواية أو شاهد الفيلم.
 
كما حرصت على تقديم لمحة من النقد الروائى عقب كل رواية، ثم تقديم العمل السينمائى المأخوذ عنها، وتقديم أبرز الاختلافات بين العمل الروائى والعمل السينمائي، وأسباب تلك الاختلافات ما أمكن ذلك، وتحليل العمل السينمائى تحليلا يقدم وجهة نظرى فيه، وفى طريقة تقديمه وفى بعض عناصره. وبالمقارنة بين الفيلم والرواية، فإنى أجد أن الرواية بقدر ما تحتفظ بخصائصها الأدبية والجمالية الخاصة باللغة الروائية باعتبارها منجزاً شخصياً، فإن الفيلم لا يستطيع أن يحافظ على المشاهد العديدة للوصف الروائى مثلاً، بل يختصرها إلى لقطة طويلة أو متوسطة ثم تدخل الكاميرا على الموضوع. لذلك تفقد الرواية خلال عملية التحويل الكثير من خصائصها الأسلوبية عندما تصبح فيلمًا سينمائياً، وإن كان للفيلم السينمائى جمالياته التى يمكن أن تضاف إلى رصيد الرواية كفن متطور، ما يجعلنا نؤكد أن الرواية فن قائم بذاته، أى أن لديها المرتكزات التى تجعل منها رواية وليس شيئًا آخر، والحال ينطبق على الفيلم السينمائى أيضاً، ولعل اللوحة السردية التى نجدها فى الرواية تتجسد فى الفيلم إلى مشهد صوري، أى أن المشهد الروائى عندما يتحول إلى حالة صورية متحركة، فأننا سنجد أمامنا لغة تختلف عن اللغة الروائية التى تستنطق الأشياء والموجودات، أما فى الفيلم الذى يسعى إلى تحويل الرواية وكذلك مشاهدها الوصفية إلى مشهد حركة عبر الصورة والصوت، فإننا سندرك، أن الأبطال والأحداث، تأخذ مسارًا آخر غير ما قرأناه فى صفحات الرواية التى هى فن يقوم على جهود فردية، تعتمد على خبرة ومخيلة وذاكرة وثقافة المؤلف فقط. وعلينا أن نعرف أن عملية التحول جاءت بعد استبدال اللغة الأدبية بلغة صورة ومشهد مجسد عبر الشريط السينمائي، وأن الكثير من التشبيهات والكنايات والاستعارات الأدبية فى الرواية يمكن أن تخفى فى الفيلم السينمائى.
 
ويؤكد أنه قد توجد بعض العقبات تمنع تحول الروايات إلى أفلام من أبرزها التقنيات الروائية المعروفة فى الفن الروائى الذى يُعد الآن فنًا متطورًا جدًا، لأنه فن منضبط ومنفلت فى الوقت نفسه، أى أن له ميزاته الخاصة على مستوى اللغة المكتوبة، ولقد أدخل على فن الرواية الكثير من المنجز التكنيكى الواضح، كاستخدام تيار الوعى، والشعر فى التعبيرات الصغيرة الضيقة التى تلجأ إليها الرواية ويعجز الفيلم من تجسيدها، كذلك حالات الانثيال غير الواعى التى تلازم بعض الشخوص فى الرواية، بالطبع نحن لا ننكر التطور الفائق للسينما وللفيلم السينمائى الذى يعتمد على جهود متعددة الأوجه والأنشطة الفنية والتقنية، فمن السيناريست إلى المخرج والمونتير وغيرهم، أى أن الفيلم عمل جماعى لا يعتمد فى صناعته على شخص واحد. لكن وبسبب المواصفات الذاتية لكل فن من فنون الرواية والسينما، تجعل هذه الخصائص من الصعوبة على السينما، الوفاء لفن الرواية بتجسيد منجزها التقنى خلال عملية التحول من لغة الرواية إلى فيلم.
 
ونجد أن تغيير جنس الرواية إلى جنس أدبى أو فنى آخر مغاير له سوف يكسبه الكثير من الديمومة والانتشار. وتحويل رواية إلى فيلم، سوف يجعل لها الانتشار والسمعة الأدبية والفنية، وبالطبع، قد تتحول شخوص الروايات لنقدم بصيغة أخرى، هى رؤية السيناريست والمخرج والكيفية التى يقترحان فيها تقديم الرواية، وبالطبع من حقهم ذلك بوصفهم مبدعين أصيلين للعمل الجديد السينمائي، فالرواية عندما تحول لفيلم سينمائى تكون فنًا جديدًا مختلفًا عن الرواية من حق المبدع الثانى أن يفعل ما يريد فيها مقدما، ولو رؤية جديدة لحوادث الرواية وشخوصها، فالفيلم السينمائى يكون بذلك مستقلاً بذاته وتبقى الروايات تمثل صوت الراوى الخاص الذى قد أفقد بعض من خصائصه فى السينما. فأحياناً تحصل هوة كبيرة بين النص الروائى والفيلم المأخوذ عنه إلى حد الإخفاق الكلى فى إيصال مقاصد النص الروائي، فقد يتحرر المخرج تحرراً كلياً فى التصرف إلى حد خلق قطيعة تامة بين نص الرواية والفيلم. وأحيانًا يكون الفيلم هو نفسه الرواية لكن مصورة، بالتأكيد نحن مع ضرورة تمتع المخرج السينمائى بالاستقلالية فى معالجته الفنية على أن تظل الوشائج الرئيسية قائمة بين العملين الأدبى والسينمائي، والتفاعل الخلاق مع الرؤيا الأدبية، أى ثمة استقلالية نسبية وعدم الالتزام الحرفى بالنص الروائى إذا كان ذلك يضعف المعالجة الفنية سينمائيًا، أما إذا أراد المخرج أن يعتبر النص الروائى منطلقًا لعمل سينمائى يجسد من خلاله رؤية أخرى خاصة به بأن يستثمر إمكانات سينمائية قد تبعده عن المتن الروائى كثيراً؛ فهذا شأنه.
 
فطبيعة العلاقة بين الرواية والسينما قوية، والروابط بينهما عديدة، منها أن كليهما يتبنيان المشهد والعناية برسمه كوحدة من وحدات البناء الكلى للعمل، ولكن المشهد الروائى أساس مادته الألفاظ بينما أساس مادة المشهد السينمائى الصورة، وكلاهما يسعيان إلى تجسيد شخصيات تتحرك فى محيطها الحياتى وصولاً إلى تكوين وحدات أكبر هى الأحداث، والمشهد الروائى اللفظى يتيح لمخيلة متلقيه حرية أكبر فى التفاعل معه بالاقتراب منه أو الابتعاد عنه بما يولده من تداعيات وانثيالات تحفزها الألفاظ حسب تكوين الملتقى الذاتي، وما تثيره تلك الألفاظ من كوامن تنطوى على تاريخ لها فى ذهنية ووجدان المتلقي، فتحرك مخيلتها إلى الاستيعاب باتجاه ما، بينما السينمائى يكون أكثر تجسيدًا لأبعاده وتحديداً لتفاصيله فيضع أمام ملتقيه عناصره المحسوسة الملموسة، وتكون ملاحقته واقعاً مباشراً، ولكن هذا لا ينفى الحراك الوجدانى الذاتى بل ولا الخيالي، إلا أنه بقدر مختلف عما يحصل فى المشهد الروائي، ففى الأخير ثمة مسافات بينية تحفز مخيلة المتلقى لملئها، بينما فى المشهد السينمائى تكاد تكون المسافات البينية معدومة أو قليلة. ومن موانع تحويل الأعمال الروائية إلى سينمائية كلفة الإنتاج، فالفضاء الروائى مهما اتسع ومهما كبر فلن يكلف الروائى سوى المفردات اللغوية، بينما الأمر مختلف فى الفضاء السينمائي، فكلما اتسع فضاء الفيلم وتنوعت تفاصيله وتشعبت مفاصيله فإن ذلك يتطلب قدرة أعلى فى الإنتاج.
 
كما أن الرواية مخاطبة فردية لمتلق فرد، بينما العمل السينمائى مخاطبة جماعية لمتلقين جماعة، من هنا تنشأ إشكالية قدرة السينما على احتواء سعة الرواية وجرأتها فى الطرح على كل صعد المحظورات والمحذورات المؤسساتية. وقد يتطلب النفاذ إلى عمق رؤيا الروائى والتمكن من تجسيد خصوصياتها إمكانية عالية وجهداً متميزاً، فالأعمال الروائية الكبيرة تتطلب عقولاً وقدرات سينمائية فائقة الإبداع، وتبقى عملية الاقتراب من العمل الروائى لتحويله سينمائياً مغامرة غير مضمونة النتائج، هى أصعب من أن يبدأ السينمائى من الصفر أى من صفر العمل السينمائي، من السيناريو السينمائى أو السيناريو الأدبي، لهذا لم تحول بعض الأعمال الروائية العظيمة إلى سينما.
 
المؤكد أن نجيب محفوظ كان بارعًا فى فهم طبيعة هذه العلاقة فتجده لا يكتب سيناريو لأى من روايته التى حولت لأفلام، ونجده حين يكتب سيناريو أى فيلم يضع بصمته، لكنه من وجهة نظرى تأثر بالسينما فى تقنيات السرد للعديد من رواياته فنجده يسهب فى وصف الأماكن وحركة الأشخاص، وهما نفس الميزة عند الكاتب التركى أوهان باموق.









مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة