كل عام، وبعد إعلان نتيجة الثانوية العامة نواجه ظاهرتين فى منتهى الغرابة والعجب، أولها اكتئاب ويأس الآلاف من الطلاب الناجحين بالفعل لدرجة أن بعضهم يقدم على الانتحار، لأن مجموع درجاته لم يؤهله للكلية التى ضغط عليه أهله حتى يدرس فيها عن غير اقتناع منه طبعا، وإنما ليتباهى به الأهل فى مجلسهم الاجتماعية لا أكثر ولا أقل، أما الظاهرة الثانية فهى مجموعة محددة من الكليات لا تقبل إلا الطلاب الذين حازوا أعلى من خمسة وتسعين بالمائة من الدرجات، الطب وطب الأسنان والصيدلة ومعها الهندسة والاقتصاد والعلوم السياسية، أو ما يعرف بكليات القمة أكبر خدعة ووهم أضر بالعملية التعليمية وكاد أن يقضى على وجود المبدعين بين الأجيال الجديدة.
وهنا لابد وأن نعود إلى الفهم العام لدى المصريين لعملية التعليم نفسها والهدف منها، هل نريد من أبنائنا أن يكونوا جميعهم دكاترة ومهندسين؟ وإذا أصبح المصريون كلهم بعد سنوات مثلا دكاترة ومهندسين، كيف سيجدون عملا؟ وكيف ستستمر الحياة مع العجز فى ألف تخصص آخر؟ وهل دورنا كأولياء أمور أن نضغط نفسيا على أبنائنا لنحملهم وزر وخطيئة عدم دخول كليات القمة لمجرد أن نتباهى بهم دون النظر إلى ما يريدونه لأنفسهم؟
نحن نرتكب خطيئة كبرى فى حق أبنائنا، لأننا لا نبذل جهدا كافيا فى معرفة ميولهم منذ الصغر ولا نبذل الجهد الكافى لتنمية مواهبهم البازغة، ولا نبذل أى جهد فى تعليمهم القاعدة الأساسية الأولى، أن الدراسة والتعليم مجرد وسيلة يحقق من خلالها الشاب ما يسعى إليه فى الحياة، وليس كل هدفه فى الحياة، نريد بناء آنسان ناجح يعرف قدراته وإمكاناته وماذا يريد أن يعمل فى حياته، وإذا ساعدنا أولادنا على إدراك وفهم توجهاتهم بناء على ما يحبون فعله، لن يكون لدينا أى مشكلة مع نظام الثانوية العامة، كما لن يكون لدينا هذا النزوع لتزييف العملية التعليمية بأكملها وتحويل الطلاب إلى ماكينات رديئة لتحصيل الدرجات دون أن يتعلموا شيئا بل ويكرهون التعليم من أساسه.
علينا أن نتعلم أولا أن نبنى أبناءنا وأن نسعى ليكونوا أنفسهم ويعملوا ما يحبون عمله فعلا، بعيدا عنا وعن اهتماماتنا نحن أو ما نريد تعويضه من خلالهم، أبناؤنا ليسوا نحن وليسوا فرصتنا الثانية فى الحياة وإجبارهم على تحمل هلاوسنا ورغباتنا مرض لابد أن نشفى منه، وأن نمنحهم الحق فى قيادة مستقبلهم منذ السنوات الأولى لشبابهم، ولذا علينا أن نتساءل ونقلق إذا كان أبناؤنا مع بداية المرحلة الثانوية لا يحلمون بشيء ولا يخططون لمستقبلهم ولا يدركون مناطق تميزهم، وساعتها علينا أن نساعدهم فقط على اكتشاف إمكاناتهم ليقرروا مسارات حياتهم فى التعليم وغيره، وإذا نجحنا فى فعل ذلك سيكون لدينا مبدعون فى كل المجالات وستسقط كليات القمة وكافة مظاهر التعليم الفاشل.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة