انتشرت العديد من التعليقات على مواقع التواصل الاجتماعى تدعو المواطنين لركوب الدراجات "البسكلتة" بعد زيادة أسعار المحروقات، ولكن لم يكن أحد يتصور أن الموضوع سيخرج من إطار "نكات" الفيس بوك إلى التنفيذ العملى بصورة حقيقية فى هذا الوقت القصير.
مؤخرا أعلنت محافظة القاهرة عن توقيع مذكرة تفاهم مع برنامج الأمم المتحدة للمستوطنات البشرية للبدء في مشروع "بسكلتة" لتفعيل نظام نشر استخدام الدراجات وتعزيزه كوسيلة غير آلية بديلة للنقل بتكلفة تقارب 30 مليون جنيه، تتضمن تصميم وتنفيذ مسارات خاصة للدراجات الهوائية في المناطق المختارة لتمكين الاستخدام الآمن لنظام مشاركة الدراجات.
ولكن هل يقبل المواطنون الاستغناء عن ركوب الموصلات أو حتى سياراتهم الخاصة واستخدام الدراجات؟ طرحنا هذا السؤال على عدد من المواطنين وهو ما ظهرت معه ردود أفعال مختلفة يرصدها التقرير التالى.
علاء الدين وهو شاب فى أواخر العشرينات وافق على فكرة المشروع قائلا: هيبقى مشروع كويس ولازم يكون ليها خطوط سير وأماكن للركنة، لكن بشرط العجل كمان ميغلاش زى ما البنزين".
حمدى عبد الموجود سائق سيارة نقل جماعى فى أواخر العقد الثالث من عمره قال ضاحكا: "لو الحكومة عملت مشروع البسكلتة هركن العربية واركب عجل مع الناس".
أما عبد الموجود يرى أن المشروع لن ينجح فى مصر لأن أغلب الموظفين يسكنون فى مناطق بعيدة ولن يصبح الأمر مجديا خاصة بالنسبة لفئات كبار السن، وبالتالى لن يقل الزحام، كما أن الطرق فى مصر غير ممهدة ولا تساعد على ذلك، ولكن هذا لا يمنع التجربة على حسب كلامه قائلا "كل حاجة بتتغير بسرعة".
ويقول أحمد محمد عبد العاطى - طبيب بيطرى فى الهيئة العامة للخدمات البيطرية: " فكرة جميلة. أنا معنديش عربية عندى عجلة ودى فكرة جميلة دى رياضة والناس مستغربة إنى واحد دكتور وبركب عجلة فى المشاوير عادى"، ولكنه يرى صعوبة أن تقوم زوجته بهذا الأمر خاصة وأنها تعيش بصعيد مصر، وقال: "صعب أقبل ان مراتى تركب عجلة فى المشاوير لأن فى الصعيد الوضع مختلف ".
أما أحمد معتمد 46 سنة يعمل بشركة الكابلات فى مسطرد ويسكن فى عزبة النخل، يرى أن هذا المشروع سيوفر الكثير من الأموال التى تنفقها الأسرة على وسائل المواصلات، لكن المشكلة أن أقل سعر للعجلة الواحدة هو 2500 جنيه".
وتابع: "كل ما كانت الوسيلة سهلة ورخيصة الناس هتقبل عليها، لكن للأسف مفيش حد بيسيب حد فى حاله أنا كراجل كبير لو ركبت عجلة هلاقى الناس تتريق، خاصة فى المناطق الشعبية.. كلمة "عيب" سهلة عندنا، وعشان كده مينفعش الستات تركب عجلة عندنا نظرة المجتمع مش كويسة وأغلب الناس هتنتقدها رغم أن ده عادى فى دول تانية".
حسن عبد الرحمن 51 سنة تاجر يعمل فى ميدان الدقى ويسكن فى منطقة قريبة من مكان تجارته، لكنه يضطر لركوب المواصلات لقطع المسافة الصغيرة.
عندما سألناه: تركب عجلة وانت رايح الشغل؟ رد بجدية: " طبعا اركب عجل إيه المشكلة دى رياضة"، مشيرا إلى أنه لديه "عجلتين" ويتمنى أن يركبهما ابنه خاصة وأنها ستساعده على إنقاص وزنه الزائد، لكنه يرفض أن تركبها البنات لأن المجتمع لن يتقبل ذلك.
ويستعيد عبد الرحمن ذكرياته قائلا: "انا عندى عجلة وكنت بتحرك بيها من زمان لما كنت نقاش مكنتش بركب مواصلات خالص".
جميع من تحدثنا معهم سابقا لا يملكون سيارات خاصة ويعتمدون على المواصلات فى تحركاتهم، ولكن أحمد الوراقى المحامى الشاب كان وضعه مختلفا، ورغم أنه يجلس داخل سيارته بهدوء، لكنه لم يكن لديه أى مانع من ركن سيارته فى جراجات تخصصها الدولة والتحرك بعجلة فى الأماكن الداخلية قائلا: "فكرة المشروع حاجة ممتازة جدا بس يارب الحكومة تصدق فيها، لكن بيتى بعيد شوية ممكن اركب العربية لحد اقرب جراح واسيب العربية واركب العجلة اتحرك بيها فى الأماكن الداخلية بدل الزحمة.. وساعتها هاوفر فى الفلوس الوقت ومنها رياضة".
الرجال وخاصة الشباب لديهم استعداد كبير لخوض التجربة، ولكن هل السيدات والفتيات على نفس درجة الاستعداد؟
تسير فى هدوء ويدها بيد زوجها لتفاجأ بالسؤال: تقدرى تستغنى عن المواصلات وتركبى عجل؟.. تجيب ريهام محمد على الموظفة بوزارة الزراعة ذات الـ37 عاما بضحكة كبيرة: "صعب قوى المشوار طويل".
ريهام تسكن فى منطقة شعبية هى عزبة النخل وترى أن الصعوبة مضاعفة، لأن هذه المناطق يحكمها العادات والتقاليد، قائلة: "مش هينفع فى الأماكن الشعبية لأنهم هيتريقوا على الستات لكن فى الأماكن الراقية ممكن ينفع ومع الوقت ممكن الناس هناك تتقبل".
ويشاركها نفس الخجل من ركوب الدراجة ندى الفتاة الصغيرة ذات الـ16 ربيعا، فى هدوء شديد ترد على السؤال قائلة: "لا مينفعش اركب عجلة اتكسف".
أما منى سيد وهى سيدة فى عمر الـ42 عاما ترفض تماما أن تخوض بنفسها التجربة مع كبر سنها ووجودها بمجتمع شرقى له نظرة مختلفة للمرأة، ولكنها لا تمانع أن تقوم ابنتها بذلك لأنها شابة صغيرة.
وتقول منى: "لو ده هيوفر كتير فى المصاريف ممكن بنتى تركب عجلة عادى لو هى عايزة.. هشجعها لكن الستات الكبار مينفعش".
وبلهجة أكثر قوة وشجاعة تقول نورا أمين الفتاة ذات الـ17 ربيعا المقبلة على مرحلة الجامعة: "ممكن جدا أروح الجامعة بالعجلة هتبسط جدا" .. وتتابع: "انا مش بعمل حاجة غلط هخاف من نظرة الناس ليه؟".
ولم تختلف عنها صديقتها فى نفس عمرها منى أحمد فى نفس جرأتها لتقول: "معنديش مشكلة اركب عجلة من دلوقت".. وردا على وجود مخاوف لديها من نظرة المجتمع أو تعرضها لمضايقات، أكدت منى أنها لا تقوم بعمل شىء خاطئ والفكرة ان العجلة سوف تساعدها على مواجهة الغلاء وجشع السائقين.
وترى منى أن المجتمع يجب أن يتعامل مع ركوب المرأة للدراجة باعتباره أمرا طبيعيا، مثلما يتعامل الآن مع قيادتها للسيارة ثم قيادتها للدراجة البخارية.
ولأن السيدات نصف المجتمع وشاركوا الرجال فى كل المهام الصعبة، تقف شابة – طلبت عدم ذكر اسمها أو نشر صورتها – بداخل محل لتصليح الدراجات بمختلف أنواعها والذى تعمل به منذ وفاة والدها قبل 8 سنوات، وتعرب عن رغبتها الشديدة فى ان ينجح مثل هذا المشروع الذى سيدر عليها دخلا كبيرا عندما يزيد مستخدموا البسكلتة.
وتؤكد الفتاة أنها بالفعل تعتمد على الدراجة فى التحرك ولا تركب المواصلات، وتعتقد أن المشروع سيحقق نجاحا كبيرا خاصة وأن قطع غيار العجلة أرخص بكثير من السيارات والدراجات البخارية، ضاربة المثل بكاوتش العجلة والذى يتراوح سعره بين 40 – 50 جنيها فقط.
ولا تنفى تعرضها لمعاكسات فى الشارع أثناء قيادتها الدراجة قائلة: "أنا لما بركب عجل فى ناس بتبصلى بصة مش حلوة، وأنا بكبر دماغى لكن لو حد لخبط أو رخم بديله على دماغه".
ويؤكد محمد رفعت بائع عجل، إن الأسعار ارتفعت بحوالى 100 – 200 جنيه للدراجة بعد زيادة أسعار المحروقات، ويتراوح سعر العجل الآن بين 650 جنيها إلى 4 آلاف جنيه، وتصل فى بعض الأنواع إلى 25 ألف جنيه فى الأنواع الخاصة بالسباق لكى يصلح للسير مسافات طويلة، مشيرا إلى أن هناك زيادة فى الإقبال على الشراء فعليا بعد غلاء البنزين، ولكن أغلب الزبائن حتى الان من الطبقة المتوسطة أو الغنية أما الفقراء "ما بيشتروش عجل" – على حد تعبيره، مشيرا إلى نجاح مشروع "البسكلتة" مرهون بإيجاد طرق صالحة لسير الدراجات.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة