لم يكن الحرس الثورى الإيرانى، أكثر من مؤسسة عسكرية عندما أسسه آية الله الخمينى عام 1979م، ولم يتوقع القادة الأوائل للثورة الإيرانية أن يصبح هذا الكيان دولة عميقة متداخلة، تسيطر على مقاليد الأمور تتربع على قمة الهرم مع الولى الفقيه صاحب اليد العليا والسيطرة عليه، تمتلك اقتصاد موازى للدولة، وتحترف ألاعيب السياسة، تتنقل وتخترق التيارات السياسية فى الداخل الإيرانى، وتكون القبضة الجديدة التى يحكم بها المرشد جمهوريته، كما أن العالم لم يكن يتوقع لهذا الكيان أن يصبح اليد الطولى لإيران فى الخارج، تحمل على أعناقها تنفيذ أجندة توسعية متطرفة فى منطقة الشرق الأوسط وما وراءها.
وعلى مدار السنوات الماضية، سعى الحرس الثورى، ذراع ملالىطهران للسيطرة على أطراف الدول العربية، وفرض الهيمنة الفارسية على المنطقة، فهمو يحارب بأسم "الملالى" فى سوريا والعراق واليمن ولبنان واخيرًا استدعاه أمير قطر، وسلمه مقاليد الأمور فى الدوحة، وتحولت تلك المؤسسة العسكرية"الحرس الثورى"، التى تعتنق أيديولوجية متزمتة إلى أخطبوط، تمددت أذرعته فى داخل وخارج إيران، فى الداخل بدأ بتأسيس مملكة اقتصادية عبر الأنشطة الاقتصادية، ومن ثم النشاط السياسى، ليتحول إلى مؤسسة عنكبوتية يخترق عناصرها كافة المؤسسات والإدارات والإعلام فى إيران، تتاجر بالسلاح، وتبرع فى تهريب المخدرات، وتنشط فى عمليات إرهابية في المنطقة ينفذها فيلق القدس الذراع المسلح للمؤسسة فى الخارج، ويصفه أحد مؤسسيه، المنشق حاليًا، محسن سازجارا، بالمؤسسة الغريبة والعجيبة في عملها ونشاطها فهو يماثل الجيش الأحمر الروسى، لكنه وفى نفس الوقت يعمل كالـ"كا جى بى" (جهاز الاستخبارات السوفيتى) ، وفي نفس الوقت ينشط كعصابة مافياوية.
خامنئى
الحرس الثورى يشرف على إمبراطورية اقتصادية بمليارات الدولارات
أشرف الحرس الثورى على إمبراطورية اقتصادية ضخمة، وسيطر هذا الجهاز على الاقتصاد الإيرانى عبر جناحه الاقتصادى المعروف باسم "مقر خاتم الأنبياء"، مما دفع الكثيرين لأن يصفونه بـ"المافيا العملاقة" ويحملونه مسئولية تردى الوضع الاقتصاى، ففى تسعينيات القرن الماضى، أسند الرئيس الإيرانى الراحل الأسبق هاشمى رفسنجانى، آنذاك مهام إعادة إعمار البلاد بعد الحرب الإيرانية ـ العراقية، إلى شركات تابعة للحرس، ومنذ ذلك الحين تشعبت النشاطات وتعددت المجالات التى دخلها الحرس ما بين الإنشاءات وقطاع النفط والتعدين والزراعة والنقل، وحتى الاتصالات وشركات الإنترنت.
وفى عهد الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، حصلت شركة "خاتم الأنبياء" للإعمار التابعة للحرس على عدد غير مسبوق من العقود التى تم منحها دون مناقصات وفازت بعشرة آلاف مشروع فى الفترة من 2006 لـ 2013، ويعد عام 2006 هو العام الذهبى للحرس الثورى فى مجال الاقتصاد، حيث أصدر المرشد علي خامنئى حينها مرسوماً بخصخصة 80% من القطاع العام، وهو ما فتح الباب أمام الحرس والشركات التابعة له للاستحواذ على نصيب الأسد من شركات القطاع العام، حيث تشير التقديرات إلى أن 13.5% فقط من الشركات المملوكة للدولة انضمت فعلياً للقطاع الخاص، فيما استحوذ الحرس على النسبة المتبقية، والتى تبلغ إجمالى قيمة أصولها 70 مليار دولار، ويقدر الدخل السنوى للحرس الثورى من مجمل أنشطته التجارية بما بين 10 و12 مليار دولار.
ويرتبط 12 بنكاً ومؤسسة مالية كبرى داخل إيران بعلاقات مباشرة وغير مباشرة مع الحرس الثورى، وتفتح تلك البنوك بدورها ما يزيد على 30 مليون حساباً وهمياً على الأقل يتم استخدامها فى صفقات التسليح والتمويل المشبوهة التى يتم إبرامها مع مليشيات العنف والإرهاب فى الدول العربية وفى مقدمتها سوريا والعراق ولبنان، ومؤخراً المملكة العربية السعودية واليمن.
كساد تجارة "سماسرة العقوبات" بعد الاتفاق النووى
ولقب الحرس الثورى داخل إيران بـ "سماسرة أو تجار العقوبات"، و أول من أطلقه عليه كان الرئيس المعتدل حسن روحانى فى عام 2014، أى بعد انتخابه بعام واحد، بسبب استغلال هذه المؤسسة الظروف الاستثنائية التى تمر بها البلاد نتيجة للعقوبات الدولية المفروضة على إيران بسبب برنامجها النووى، وحقق هذا المعسكر انتفاعات كبرى فى استمرارية العقوبات، من خلال تأسيس شركات بأسماء وهمية أو تجنيد شبكات تنشط فى الالتفاف على العقوبات، وتمكن طهران من مخالفة العقوبات وتصدير بضائعها واستيراد احتياجاتها فى الداخل.
بابك زنجانى
وكان أبرز تلك الشبكات التى استغلها الحرس الثورى فى بيع النفط، شبكة رجل الأعمال الإيرانى "بابك زنجاني" والذى حكم عليه بالسجن فيما بعد بسبب اختلاس عوائد نفطية، وتم الكشف عن هذه الشبكة فى عام 2013 بعدما قام رجل الأعمال الإيرانى بالتعاون مع صديقة رضا ضراب، الذى يعيش فى تركيا بعقد صفقات نفطية كبرى، ونقل أموالها إلى إيران.
وبعد توقيع الاتفاق النووى الإيرانى فى 2015، ورفع العقوبات عن إيران، وفتح أبوب الأسواق العالمية أمامها، بدأ الحرس الثورى يخسر تجارته السرية، وقال روحانى، تصريحه الشهير خلال الانتخابات الرئاسية فى يوليو الماضى"فى الأربع سنوات الماضية استاء تجار العقوبات من كساد تجارتكم، تريدون أن تعيدونا إلى الوراء 4 سنوات، نحن لا نتراجع واختارنا طريقنا"، لذا نددت المؤسسة بالاتفاقية النووية ولم يعلن صراحة عن قبولها، ودخل فى صراع مع روحانى، المؤيد للاتفاق، وحذر من مخاطر "تجار العقوبات" على الاقتصاد، وفى محاولة منه لمحاربة الفساد والدولة العميقة للحرس الثورى، أكد روحانى، على محاكمة رجل الأعمال زنجانى، غير أن الحرس الثورى بدأ يمهد الأرضية لأجل إطلاق سراحه كصديق متعاون.
وفى السياسة الداخلية تحولت مهمة الحرس الثورى فى الداخل من حماية النظام، إلى مساندة فئات وتيارات سياسية بعينها على حساب فئات وتيارات أخرى، وقد وصل به الأمر إلى أن يتدخل في الانتخابات الرئاسية والبرلمانية لصالح المحافظين واليمين الدينى المتشدد منذ التسعينات، وأشارت تقارير إلى أنه عمل على القيام بمهمات إرهابية ضد المعارضة الإيرانية فى الخارج، وفى دول الجوار.
قمع الاحتجاج الطلابى فى 1999 والحركة الخضراء فى 2009
شارك الحرس الثورى، فى قمع الاحتجاجات الطلابية التى حدثت فى ١٩٩٩ وسقط خلالها ٧ من الطلاب، وعرفت إعلاميا بأحداث الحرم الجامعى، والتى كشفها روحانى خلال المناظرات الانتخابية فى يوليو الماضى، وتعود أحداثها إلى عهد الرئيس الإصلاحى الأسبق محمد خاتمى، فعندما توسعت دائرة الاحتجاجات وخرجت مظاهرات فى شوارع العاصمة وسائر المدن الإيرانية، كتب 24 من قادة الحرس الثوري رسالة إلى خاتمى، فهددوه بأنهم سيتدخلون مباشرة إذا لم يقم بقمع الاحتجاجات ومن الموقعين على تلك الرسالة، رئيس بلدية طهران الحالى محمد قاليباف، بصفته قائد القوة الجوية للحرس الثورى آنذاك وقاسم سليمانى، قائد فيلق القدس.
وفى عام 2009، تسببت الشكوك فى أن الحرس الثورى وميليشيا الباسيج زورا نتائج الانتخابات لصالح الرئيس السابق محمود أحمدى نجاد، فى 2009 ، بخروج مظاهرات فى جميع أنحاء البلاد، قوبلت بقمع شديد من عناصر الحرس الثورى، ووفقا لمنظمات حقوقية فقد قتل العشرات واعتقل المئات فى أكبر اضطرابات فى تاريخ الجمهورية الإسلامية.
حسن روحانى فى الجولات الانتخابية
دور الحرس الثورى فى الانتخابات
يمتلك الحرس الثورى داخل إيران، نفوذ كبير داخل التيارات السياسية، فنجده يتدخل فى الانتخابات لصالح من يرضى عنه الولى الفقيه، وبسبب دعم تلك المؤسسة للمرشح المحافظ والذى نافس روحانى فى انتخابات عقدت يوليو الماضى، وكانت تحذيرات روحانى فى مايو الماضى خلال الحملات الانتخابية للانتخابات الرئاسية، بمثابة خروج الصراع بين المؤسسة العسكرية والحرس الثورى إلى العلن، حيث حثه وميليشيا الباسيج التابعة له على عدم التدخل فى الانتخابات الرئاسية، وقال "لدينا طلب واحد فقط: أن تبقى الباسيج والحرس الثورى فى أماكنهما لأداء عملهما"، وعزز روحانى نداءه باقتباس كلمات الزعيم الأعلى الراحل، آية الله روح الله خمينى، مؤسس الجمهورية الإسلامية الذى قال روحانى إنه حذر القوات المسلحة من التدخل فى السياسة.
وانتقد روحانى، دور الحرس الثورى المشبوه فى نسف أكبر انجازاته متمثلة فى الاتفاقية النووية، عبر إطلاق الصواريخ الباليستية، ونشره صور قواعد تحت الأرض لصواريخ إيرانية باليستية مكتوب عليها شعارات تهدد السلم فى الإقليم والعالم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة