لا شك أن المتصدق إنما يرجو عظيم الثواب الذى أعده الله للمتصدقين والمتصدقات، حيث يقول سبحانه: «إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيراً وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُم مَّغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً» (الأحزاب: 35)، وحيث يقول سبحانه: «مَّثَلُ الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِى كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ وَاللّهُ يُضَاعِفُ لِمَن يَشَاءُ وَاللّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ * الَّذِينَ يُنفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِى سَبِيلِ اللّهِ ثُمَّ لاَ يُتْبِعُونَ مَا أَنفَقُواُ مَنّاً وَلاَ أَذًى لَّهُمْ أَجْرُهُمْ عِندَ رَبِّهِمْ وَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ» (البقرة: 261)، وحيث يقول سبحانه: «خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِم بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاَتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ» (التوبة: 103)، وحيث يقول نبينا، صلى الله عليه وسلم: «مَنْ تَصَدَّقَ بِعَدْلِ تَمْرَةٍ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وَلاَ يَصْعَدُ إِلَى اللَّهِ إِلَّا الطَّيِّبُ، فَإِنَّ اللَّهَ يَتَقَبَّلُهَا بِيَمِينِهِ، ثُمَّ يُرَبِّيهَا لِصَاحِبِهِ، كَمَا يُرَبِّى أَحَدُكُمْ فُلُوَّهُ، حَتَّى تَكُونَ مِثْلَ الجَبَلِ»، وحيث يقول صلى الله عليه وسلم: «حَصِّنُوا أَمْوَالَكُمْ بِالزَّكَاةِ، وَدَاوُوا مَرْضَاكُمْ بِالصَّدَقَةِ، وَأَعِدُّوا لِلْبَلَاءِ الدُّعَاءَ».
وعلى المتصدق أن يتحرى وقوع الصدقة موقعها الذى يجب أن تكون فيه، حيث يقول الحق سبحانه: «إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاء وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِى سَبِيلِ اللّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ» (التوبة: 60)، وعليه إن أراد أفضل الثواب وأعلاه أن يجتهد فى ترتيب الأولويات، وأن يدرك أن الأعم نفعًا والأوسع أثرًا مقدم على غيره من الأقل نفعًا أو أثرًا، وأن ما يحفظ النفس مقدم على ما يدخل فى إطار التحسينات أو الكماليات، فإطعام الجائع، وكساء العارى، ومداواة المريض، وإيواء المشرد، مقدم على ما لا يعد أساسًا فى إقامة حياة الإنسان وحفظها، وحفظ كرامته فى العيش والحياة.
وإذا أردت عظيم الصدقة فضعها حيث تكون حاجة المجتمع، فإن رأيت الحاجة أمسّ إلى المتطلبات الصحية، فضعها فى علاج المرضى، وبناء المستشفيات وتجهيزها، وإن رأيت الأولوية للتعليم، فضعها فى بناء المدارس وتأثيثها وصيانتها والإنفاق على طلاب العلم الفقراء ورعايتهم، وعلى الباحثين وبعثاتهم، وعلى المراكز والمؤسسات العلمية وتطويرها، وإن رأيت الأولوية لتحسين البنى التحتية من إقامة محطات مياه الشرب، أو مشاريع الصرف الصحى، أو تعبيد الطرق وتمهيدها، فاجعل صدقتك فى هذا الاتجاه، وإن رأيت الأولوية للعمل والإنتاج فادعم المشروعات الصغيرة، وتوفير فرص العمل للشباب، وإن رأيت الأولوية لعمارة المساجد وصيانتها فاعمد إلى المناطق الأكثر احتياجًا إليها، حيث يكون الناس فى حاجة مُلحة إلى مسجد، سواء فى منطقة جديدة كقرى الشباب والظهير الصحراوى والمناطق الجديدة، أو اعمد إلى مسجد من المساجد القائمة التى تحتاج إلى إحلال وتجديد كلى أو جزئى أو صيانة، فقم بإحلاله وتجديده أو صيانته أو فرشه، على أن ترجع فى كل شأن تعمل فيه إلى الجهة المختصة التى تستطيع أن تحدد لك الأولويات، وأن تدلك على الأعم نفعًا، لأن الثواب العظيم مرتبط بالقبول وعظيم النفع، فكلما سدت الصدقة حاجة من حوائج أصحاب الحاجات، كانت أكثر نفعًا وأعظم ثوابًا، وكلما كانت الحاجة أشد كان الثواب أعظم، ومن ثمة على الإنسان أن يتحرى أين يضع صدقته، حتى يحظى بأعظم الثواب وأعلاه، كما أن عليه أن يتحرى ألا يقع فريسة للمحتالين والنصابين ممن يحترفون التسول، لأن إعطاء من لا يستحق من الصدقات يضيعها على من يستحق من جهة، ويشجع على مزيد من احتراف التسول والبطالة والكسل من جهة أخرى، ونبينا صلى الله عليه وسلم يقول: «إِنَّ الْمَسْأَلَةَ لَا تَحِلُّ إِلَّا لِثَلَاثَةٍ: لِذِى فَقْرٍ مُدْقِعٍ، أَوْ لِذِى غُرْمٍ مُفْظِعٍ، أَوْ لِذِى دَمٍ مُوجِعٍ».
وأخيرًا تأكد أن ما تنفقه اليوم ستجده غدًا، حيث يقول الحق سبحانه: «وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ فَلأنفُسِكُمْ وَمَا تُنفِقُونَ إِلاَّ ابْتِغَاء وَجْهِ اللّهِ وَمَا تُنفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ يُوَفَّ إِلَيْكُمْ وَأَنتُمْ لاَ تُظْلَمُونَ (البقرة: 272)، ويقول سبحانه: «وَمَا أَنفَقْتُم مِّن شَىْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ» (سبأ: 39)، وحيث يقول نبينا: «مَا نَقَصَ مَالُ عَبْدٍ مِنْ صَدَقَةٍ»، وحيث يقول صلى الله عليه وسلم: «ما مِن يومٍ يُصْبحُ العِبادُ فيهِ إلا مَلَكانِ يَنزلانِ، فيقولُ أحَدُهُما: اللهمَّ أعط مُنفِقًا خَلَفًا، ويقولُ الآخَرُ: اللهمَّ أعطِ مُمْسِكًا تَلَفًا».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة