ستظل التجربة المصرية فى 30 يونيو وما بعدها مصدر إلهام لعديد من الدول، لأن روح هذه التجربة تعتبر أصدق تعبير عن إرادة شعب فى مواجهة استعمار غربى متجدد من ناحية، وانفجار التخلف الدينى من الداخل من ناحية أخرى، وهما عنصران كثيرا ما صككنا الشعارات الحماسية لمواجهتهما، واكتشفنا أن كل ما كان سابقا أقرب لترديد الشعارات من التحرك على الأرض للمواجهة، كما اكتشفنا كيف يستخدم كلا العنصرين الآخر لإحكام السيطرة على البلاد العربية الإسلامية، وإن اختلفت الأهداف والرؤى.
كم رفعنا شعار مواجهة الاستعمار خلال العقود الماضية، وكم توارى خلف الشعار حكام متسلطون وأزلام من النخبة، لم تستطع أن تكون على مستوى الشارع، وكم تاجرنا بالشعار لتحقيق خيالات فى أذهان رأس السلطة لم تكن تسندها أحلام البسطاء أو إرادتهم، كما لم تساندها قدرات الدولة وإمكاناتها، فكانت الهزائم التى انكسرت معها نفوس وأرواح المصريين.
وكم رفعنا شعار مواجهة الإرهاب والتطرف للتغطية على عجز الإدارة الحاكمة آنذاك عن مجابهة تحديات التنمية البشرية، وتحقق العدالة الاجتماعية، واستشراق المستقبل بما يحمله من مخاطر جديدة، الأمر الذى أدى إلى تحول جيل كامل أو أكثر أودى بهم الفقر والبطالة إلى أن يكونوا تهديدا محتملا ومتطرفين تحت الطلب، يعاقبون المجتمع كله على سوء إدارة النظام للأمور.
الآن، الوضع مختلف، المصريون أدركوا ما يراد لهم وعلموا ما مر بهم من العدو ومن الصديق، كما وعوا بالآليات الجديدة للحروب التكنولوجية وتفجير المجتمعات من الداخل، واستخدام مجموعات المرتزقة لإشعال الفتن الطائفية أو نعرات الثأر أو النزاعات الإثنية والقبلية وصولا إلى الحرب الأهلية بالأسلحة الصغيرة، التى لا ينتصر فيها طرف على الآخر، وتحدث تدميرا شاملا يكفى لإسقاط الدول وتفكيكها، كما حدث حولنا فى العراق وليبيا والصومال وسوريا واليمن.
المصريون يتحركون الآن بوعى عميق بمشكلاتهم، وبرغبة راسخة فى عبور أزماتهم، من خلال الالتفاف حول قيادتهم والإيمان بتوجهاتها فى صالح البلد، ولذا فوتوا عشرات الفرص والمناسبات التى حاول من خلالها أعداء البلد وأجهزة المخابرات العدوة إحداث الفوضى، عبر تلوين الأحداث السياسية أو بث الشائعات وتضخيمها أو إعادة إحياء فلول جماعة الإخوان الإرهابية فى النقابات المهنية والمتعاطفين معها من آحاد السياسيين.
كما تحمل المصريون بشجاعة وفهم عميقين إجراءات الإصلاح الاقتصادى، وما نتج عنه من أعراض جانبية حتمية، وفى مقدمتها غلاء الأسعار، مقدمين مصلحة البلد على مصالحهم الشخصية، وفضلوا التحمل لسنوات قليلة، مقابل أن يمر البلد من كبوة الفوضى والانهيار الاقتصادى إلى آفاق التنمية.. وللحديث بقية.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة