جاء مسلسل الجماعة 2 الذى عرض خلال شهر رمضان كالعادة بزوبعة خلافية حول بعض الوقائع التى تعرض لها المسلسل. والمسلسلات التاريخية دائما ما تشاهد هذه الخلافات، ذلك لأن العمل الدرامى التاريخى لا يعنى عرض الأحداث التاريخية كما هى وإلا كان أشبه بفيلم تسجيلى.
ولكن تلك الدراما تطرح التاريخ فى إطار درامى فنى تشويقى يجذب المشاهد لمتابعة تلك الأحداث التاريخية. والمشكلة هنا أن كل واحد يقرأ التاريخ وأحداثه من الزاوية التى يراها، خاصة أن التاريخ السياسى مرتبط بأشخاص وزعامات يجعل أتباعهم فى حالة ولاء وانتماء لهم، ولذا نرى المشاهد يريد أن يرى ما يعرفه مسبقاً أو حتى ما يريد أن يراه حسب رويته الخاصة.
والاختلاف الذى حدث كان معظمه حول انضمام جمال عبد الناصر لجماعة الإخوان وقسمه على المصحف والمسدس سمعاً وطاعةً لهذه الجماعة.
والقسم أمام الجماعة يعنى فى ظاهرة الانضمام والإيمان بهذه الجماعة، هذا إذا نظرنا للحدث فى إطاره الشكلى الظاهرى.
ولكن المهم ما هى الظروف السياسية التى جعلت عبدالناصر يقوم بهذا القسم؟
هل هو الإيمان المطلق بالجماعة؟ أم ماذا؟ هنا لا بد من بعض الإيضاحات فعبد الناصر ذلك الشاب المصرى الوطنى الثورى المثقف مدرس الاستراتيجية العسكرية فى الكلية الحربية الذى اقتنع وآمن بخلاص هذا الوطن من ذلك الحكم الفاسد المستبد الذى يجنى ثماره القلة الطبقية على حساب الشعب. فكيف يكون الخلاص بغير تنظيم ثورى يمتلك الأداة والأسلوب الذى يمكنه من إسقاط النظام؟
كان هدف عبدالناصر الدراسة والتقصى والبحث حتى يتم تكوين تنظيم ثورى يضم ويستفيد من جميع الاتجاهات السياسية الموجودة على الساحة حين ذاك حتى تكون جماهير هذه القوى السياسية المتعددة نصيراً لهذا التنظيم فى إسقاط النظام.
ولذا وجدنا عبدالناصر وتطبيقاً لهذه الرؤية ينضم إلى حزب مصر الفتاة ذات التوجة الاشتراكى الإسلامى ذو النزعة الهتلرية. تعرف عبدالناصر على حزب الوفد وممارساته وتوجهاته. تعامل مع الحزب الشيوعى وكان اسمه الحركى موريس.
وفى ذلك الوقت كان الإخوان يمثلون ثقلاً جماهيرياً اعتماداً على استغلال العاطفة الدينية واستغلال الدينيى لصالح السياسى الشىء الذى جعل الملك يستغلهم فى صراعه مع الوفد. ولهذا تعرف عبدالناصر على الإخوان وعلى حسن البنا شخصياً وتم القسم من عبدالناصر ومعه خالد محيى الدين وكمال الدين حسين، وقد سمعت قصة القسم بتفاصيلها من أستاذى المناضل خالد محيى الدين حينما كنت أحد قيادات حزب التجمع. وهذا يعنى أن عبدالناصر أقسم وقيل أن اسمه الحركى كان زغلول. فماذا يعنى هذا؟ فى إطاره الشكلى يمكن أن نقول إنه إيمان وانضمام للجماعة وفى إطاره الموضوعى أى إطار اختراق القوى السياسية لصالح التنظيم الثورى يمكن أن نقول انها انتهازية سياسية، ولكن لأن هذا الانضمام لم يكن الوحيد، بل كان حالة من حالات التعرف ومحاولة اختراق التنظيمات إلسياسية. وهذا يطلق عليه تكتيك بهدف الوصول الى تحقيق الهدف الاستراتيجى وهو الثورة «الفرق بين الانتهازية والتكتيك خيط رفيع».
وعلى هذا لا يقال أن عبدالناصر كان حزب مصر الفتاة أو كان شيوعياً أو وفدياً أو إخوان مسلمين.
ولكن يجب تقييم هذا فى ضوء معطيات الواقع السياسى وفى ظل تحقيق هدف الثورة.
أما المسلسل فقد اقتصر على عرض علاقة عبدالناصر بالإخوان بل تحديداً علاقة عبدالناصر وسيد قطب، وكأن هذه المرحلة التاريخية منذ بداية الثورة وحتى 1965 لم يكن هناك أحداث غير هذه العلاقة حتى أننا شعرنا أن المسلسل هو أقرب للفيلم التسجيلى التاريخى من أنه دراما تاريخية.
أما الجانب الأهم ونظراً لتحجيم الحدث الدرامى فى إطار هذه العلاقة وجدنا أن هناك محصلة ونتائج خطيرة تصور الأمر وكأن المسلسل هو دعاية وترويج وتسويق للإخوان ولسيد قطب.
مما يجعل المشاهد أسيراً للجماعة ومبادئها ونضالها وتضحياتها.
المشاهد الذى لا يعرف سيد قطب ولا فكره تعرف عليه وعلى أفكاره وعرف معالم على الطريق، وكأن هذا الفكر وذات الشخص هو الأسطورة التى لا تبارى، خاصةً أن فكره يأخذ الآن الإطار العملى فى التطبيق.
حيث كان يجب أن يكون فى البناء الدرامى شخصية تأخذ المقابل الموضوعى، للرد على تلك الأفكار حتى يكون المشاهد فى وضع العصف الزهنى الذى يجعله يختار. سيظل التاريخ بحقائقه مهما تم تزويره أو الالتفاف عليه. سيظل عبدالناصر هو الزعيم الوطنى الثورى الذى انحاز لمصر وللمصريين بل للعرب فى مواجهة كل القوى التى كانت ومازالت لا تريد الخير لمصر ولا للعرب ولا للمسلمين. عبدالناصر بتدينه الوسطى وبالخدمات التى قدمها للإسلام فى مصر والعالم العربى، بل الإفريقى كان قد كشف لعبة المتاجرة بالأديان تلك التى مازلنا نعانى منها ونطلب تجديد الفكر الدينى.
كل عام والمصريين بخير، حمى الله مصر وشعبها العظيم.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة