لم تكن تعلم تريزا ماى، رئيسة وزراء بريطانيا وهى تدعو فى إبريل الماضى لانتخابات مبكرة تمنحها "شرعية" أكبر فى التفاوض مع الاتحاد الأوروبى بصورة تمكنها من "الخروج الحاسم" أنها تقامر على مستقبلها السياسى وليس مستقبل حزبها "المحافظين" فحسب.
تريزا ماى
ولكن خسرت رئيسة الوزراء رهانها، فبعد أن كانت تتمتع بشعبية كبيرة دفعتها لاتخاذ قرار الانتخابات المبكرة بثقة شديدة فى قدرتها على الفوز بأغلبية، انقلبت طاولة الغرور عليها، وفقدت كل الدعم سواء من السياسيين أو الشعب أو حتى حزبها، لتبدأ مفاوضات بلادها مع الأوروبيين من موقف ضعف. فرئيسة الوزراء التى كانت تدافع عن "الخروج" الصعب والتفاوض بشروطها، بدأت تتنازل وأعلنت وخلال عشاء عمل مع قادة أوروبيين آخرين خلال قمة فى بروكسل (22 يونيو) أن بريطانيا، لن ترغم أيًا من مواطنى الاتحاد الأوروبى، على مغادرة أراضيها بعد بريكست، وأكدت التزامها بأنه لن يُطلب من أى مواطن أوروبى يعيش حاليا فى بريطانيا بشكل قانونى مغادرة البلاد.
جريمى كوربين منافس تريزا ماى وزعيم حزب العمال
ولكن نظرا لضعف موقف رئيسة الوزراء، قابل الأوروبيون عرضها بـ"فتور"، وانتقد رئيس المجلس الأوروبى دونالد توسك، المقترحات التى تقدمت بها رئيسة ماى بشأن أوضاع المواطنين الأوروبيين وقال إن مقترحاتها "دون التوقعات" وأنها قد تزيد من الأوضاع سوءا بالنسبة للمواطنين الأوروبيين فى بريطانيا.
واقترحت ماى إمكانية حصول المواطنين الأوروبيين الذين يعيشون فى بريطانيا منذ أكثر من 5 سنوات على وضع "مستقر" والذى يتيح لهم جميع الحقوق كمواطن بريطانى بمجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية والمعاشات. فيما سيسمح لمن عاشوا بالبلاد لأقل من خمس سنوات البقاء حتى إكمال تلك الفترة، ويمنح من يصلوا بعد تاريخ نهائى يحدد لاحقا "فترة سماح" لتوفيق وضع الهجرة الخاص بهم.
ويرى مراقبون وإستراتيجيون أن نتائج الانتخابات البريطانية تظهر تآكلا واضحا فى قيادة رئيسة الوزراء السياسية، الأمر الذى ينذر بمرحلة من المفاوضات الشاقة للاتفاق حول "البريكست".
تريزا ماى رئيسة حزب المحافظين
ويقول موقع "CNBC" إنه مع عدم حصول أى حزب على أغلبية واضحة، ومواجهة المملكة المتحدة لاحتمالية وجود برلمان معلق، تزايدت الشكوك بشكل كبير حول مستقبل ماى.
"أجراس الأنذار يجب أن تدق الآن..مستقبلها (ماى) يبدو مظلما فى الحزب"..بهذه الكلمات وصف هيرف ليماهيو، الزميل بمعهد السياسة الدولية بسيدنى.
وأضاف قائلا بحسب CNBC "هذه الانتخابات انقلبت عليها بكل تأكيد".
أما أندرو جامبل، أستاذ السياسة فى جامعتى كامبريدج وشيفيلد فاعتبر أن الانتخابات كانت "تقديرا خاطئا" وأن سلطة وصلاحيات رئيسة الوزراء ضعفت، حتى وإن كان حزب المحافظين فاز بالأغلبية وذلك بسبب إخفاقات ماى فى الحملة الانتخابية.
فبعيدا عن أنها فشلت فى حضور إحدى أهم المناظرات، وأرسلت وزيرة الداخلية لتحل محلها فى المناظرة المذاعة على الهواء، أثارت ماى جدلا واسعا بعد حريق برج "جرينفيل" بلندن وذلك لعدم زيارتها المصابين وعدم إظهارها تعاطفا إنسانيا معهم ومع أسر الضحايا. فضلا عن الهجمات الإرهابية المتتالية التى دفعت الناس للتشكيك فى قرارها تخفيض قوة الشرطة عندما كانت وزيرة للداخلية فى 2010 خاصة بعد الأداء الضعيف لقوات الشرطة أثناء هجوم "جسر لندن"، فى 3 يونيو والذى أسفر عن مقتل 8 أشخاص وإصابة العشرات.
ومع تكرار الهجمات خاصة بعد هجوم مانشستر فى مايو الماضى، والذى راح ضحيته 22 شخصا، وفوضى الانتخابات، تعالت الأصوات المنادية باستقالة رئيسة الوزراء.
ويضيف جامبل أن هناك تكهنات فعلية بأن تريزا ماى ستتقدم باستقالتها.
ومن جانبه، يضيف ليماهيو "ستحاول البقاء فى اللعبة، ولكن سيكون هناك ضغط داخل الحزب لتقديم استقالتها. وحتى لو احتفظت بالقيادة، فقدت ماى مصداقيتها في نظر بروكسل في الفترة التي سبقت مفاوضات خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، لذلك هى فى وضع أسوأ بكثير ".
ويتفق مراقبون كذلك حول أن مستقبل ماى سيكون الاستقالة أو ستتم الدعوة لانتخابات مبكرة جديدة، لاسيما وإن الانتخابات البرلمانية المقبلة لن تتم قبل 2022، إذ يرون أن الوضع الحالى للمملكة المتحدة ينذر بالكثير من التحديات التى ستضعف موقف رئيسة الوزراء عند كل مهمة سواء داخليا أو خارجيا لاسيما فيما يتعلق بمفاوضات الخروج، ومن ثم يتوقعون إجراء انتخابات مبكرة ثانية خلال الفترة المقبلة.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة