ننشر نص كلمة شيخ الأزهر فى الاحتفال بـ"ليلة القدر"

الأربعاء، 21 يونيو 2017 02:45 م
ننشر نص كلمة شيخ الأزهر فى الاحتفال بـ"ليلة القدر" الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب شيخ الأزهر الشريف
كتب لؤى على

مشاركة

اضف تعليقاً واقرأ تعليقات القراء

قال الإمام الأكبر الدكتور أحمد الطيب، شيخ الأزهر الشريف: "إنَّ الاحتفالَ بليلةِ القَدْرِ، احتفالٌ بنزولِ القُرآن الكَريم على رسولِ الإنسانيَّةِ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وهو فى الوقت نفسه احتفال بقدرِ العِلم وقيمته الذى احتفى به الكتاب الكريم فى أولِ ما نزل منه، فى قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِى خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِى عَلَّمَ بِالْقَلَمِ * عَلَّمَ الْإِنسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ﴾ وفى هذا الاستهلال ما فيه من احتفاء الإسلام بقيمة العلم، والتنويه بمنزلته، والتذكير بخطرِه الشديد فى التمييز بين الحق والباطل والصواب والخطأ".

 

وأضاف فى كلمته بمناسبة الاحتفال بليلة القدر: "ومِمَّا يَعْجَبُ له المُتفطِّنُ لأمرِ العِلم فى القُرآنِ، أن يُبعث نبى أُمى لا يَقرأ ولا يكتب، ولم يُمسك بالقلمِ طوال حياته لا تعلُّمًا ولا تعليمًا، وفى مجتمعٍ جاهلى لا عهدَ له بالقراءةِ ولا الكتابة، ولا بالعلمِ ولا التعلُّم لا من قريبٍ أو بعيد-وتكون كلمة «اقرأ» هى الكلمةَ الإلهيَّة الأولى التى تطرُق سمعُه الشَّريف، وتغمر أقطار عقله وقلبه، ثُمَّ يكون حديث العِلْم والتعلُّم هو الرسالةَ الأولى التى يقرعُ بها آذانًا صُمًّا وقلوبًا عُميًا لا تدرى ما العلم ولا التعليم.. وإن تَعْجَبْ فَعْجَبٌ أمرُ هذا الأُمى الذى يُؤمر بالقراءة وما هو منها بسبيل، فقد كان لا يقرأ خطًّا ولا يكتبه بيده، كما يُقرِّر القُرآن الكريم فى قوله تعالى:﴿ وَمَا كُنتَ تَتْلُو مِن قَبْلِهِ مِن كِتَابٍ وَلَا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذًا لَّارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ﴾ ووَجهُ الإعجاز فى هذه الآية هو إثبات عِلْمِه -ﷺ- مع ثبوتِ أُميَّته، لأن العلمَ والأمية أشبه بنقيضين لا يجتمعان فى الواقع، إذ أحدهما ينفى الآخرَ لا محالة، بحكمِ الضَّرورة ومنطق العادة والمألوفِ المُشاهَدِ".

 

وأكد الإمام الأكبر "أن القرآن بدأ رسالته للناس بقرع أجراس العلم والمعرفة فى آذانهم وعقولهم أوَّلًا، ليتنبَّهوا –بعد ذلك-إلى أنَّ أمرَ العقيدة فى الإسلام إنَّما يتأسَّس فى المقام الأوَّل على «العِلْمِ» والنظر العقلى، وليس على «التسليم القلبي» الخالى من حُجَجِ العقل واستدلالاته، وهذا هو سر تكرار كلمتى «العقل والعلم» لفظًا ومعنًى واشتقاقًا نحو 865 مرة، وهو ما لا نجده لأية مفردة أخرى من مفردات القرآن سوى «العلم والعقل والمعرفة»، على أن تنويه القرآن بطريق العقل فى تحصيل الإيمان بالله تعالى، لا يعنى أنه أهمل طريق الفطرة، بل هى الشعور الذى يُمثِّل قدرًا مشتركًا بين الناس جميعًا لا يخلو منه أحدٌ من الناس منذ بدء الخليقة وإلى أنْ يَرِثَ الله الأرض ومن عليها، غير أنَّ الفطرةَ وإنْ كانت الطريق الأقرب لمعرفة الإنسان بربه، إلَّا أنَّها كثيرًا ما تعرض لها علل وأمراض معنوية، وصوارفُ اجتماعيَّة وبيئيَّة تفسدها وتقعد بها عن دورها الخطير فى حياةِ الإنسان.. ولذلك كان خطاب العقل فى القُرآنِ هو الخطاب المُعَوَّل عليه تكليفًا وثوابًا وعقابًا".

 

وأوضح "أنَّ العلم والعقل الذى بنى عليهما الإسلام أمره منذ أول كلمة فيه، وجعلهما مناط تكاليفه كلها كبيرة كانت أو صغيرة أوشك أن يخلى مكانه فى حياتنا المُعاصرة إلى أخلاط من ظنون وأوهام وتخيلات، استبدت -أو كادت- تستبد بالعقول، وتؤثِّر على مجتمعاتنا سلبًا وارتيابًا وشكوكًا، بل تُؤثِّر على استقرار الشعوب وتماسكها الذى هو الشرط الأساس فى نهضة الدول ونمائها وتقدمها.. ومِمَّا يُتألَّمُ له أشد الألم أن صارت الظنون والأهواء هى فيصل التفرقة فى التعرُّف على الحقِّ والباطل، والخطأ والصواب، وأصبح اللَّبس الذى تثمره هذه الظنون هو الحق الذى لا حقَّ سواه، حتى صار المتمسك بمعيار العقل والمستضيء بمنطقه وعلومه يشعُر بغربةٍ مُوحِشَةٍ من شدَّةِ ما يتناثر على طريقِ الحقِّ من أغاليطٍ ملتوية وشبهات مظلمة وتعميمات كاسحة لو خُلِّى بينها وبين نور الدَّليل وسطوع البُرهان لانمحق زيفها وبهرجها وضجيج وانقطع ضجيج حناجر الصارخين بها، والقرآن الكريم يؤكد على هذه الحقيقة حين يأمر بسؤال أهل الذكر فى الأمور التى تخفى على الناس ولا يعلم حقيقتها إلا العارفون بها، وذلك فى قوله تعالى: ﴿فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ﴾ وفى موطن آخر ينهى عن تحكيمِ الظَّنِّ: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ﴾ وقد حذَّر النبى ﷺ أمته من الركون إلى الظن واتخاذه سبيلًا إلى العلم".

 

ولفت إلى "أنه لا مفر من ضرورة الاتِّحاد والوحدة والالتفاف حول قضايانا الوطنيَّة، وكل ما هو متعلِّق بمصرنا ومستقبلنا، وليس أمامنا إلا تفويت الفُرص، وبشتَّى الطُّرق على المُــتربِّصين بالعرب والعروبة من أعدائهم فى الخارج وأعوانهم فى الداخل، ولم يكن العرب والمسلمون بحاجةٍ إلى الوقفة الجادَّة والكلمة المسؤولة بمثل ما هم عليه اليوم، فقد بدأت الغيوم السوداء تلوح فى الأفق، وإن هبَّت العواصف –لا قدَّر الله- فإنها لا تبقى ولا تذر، فعلى العابثين بمصائر الأُمَّة أن يقدروا حجم الخطَر الذى يؤدى إليه هذا العبث وسوء التقدير فى وزن مصائر الأمور.

 

وعبر الإمام الأكبر عن شكره لرئيس الجمهورية لدعمه المتواصل للأزهرِ، وحِرصه على تمكِينه من تحقيق رسالَته المحليَّة، والعالَميَّة فى تبيين حقائق الإسلام وإنسانية شريعته، ونَشْر ثقافَة السَّلام فى الشَّرقِ والغربِ، ودعمه فى رسالته العالَميَّة التى حافظَ فيها على هُويَّة الأُمَّة وتُراثها ومنهجها العلمى المستقيم، حتى أصبح مثابة تهوى إليه أفئدة المسلمين من شتَّى بِقاع العالَم، سائلًا الله أنْ يُغدقَ سحائب رَحْمَتِه ورضوانه على شُهدائنا الأبرار من أبطالِ القُوَّاتِ المُسَلَّحة والشُّرطة المصريَّة والآمنين من المواطنين، وأنْ ينتقم مِمَّن غدروا بهم فى الدنيا قبل الآخرة، وأن يديم على أهْليهِم وذَويهِم الصَّبر الجميل وأن يعوِّضهم خيرًا فى دنياهم وآخرتهم، وأن يعيننا على الوفاء لهم والقيام بحقوقهم.










مشاركة

لا توجد تعليقات على الخبر
اضف تعليق

تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة





الرجوع الى أعلى الصفحة