اليومين دول كام وزارة أو هيئة صرفت كام مليون دفعتها لشركات الإعلانات علشان ينتجوا إعلانات للناس، يعنى تقدر تقول عنها كدة إنها إعلانات فى سكة تصبير المواطن على حاله ومساعدته فى تحمل الواقع أملا فى المستقبل.
الفكرة حلوة، والمصداقية أتت من بعض الجهات التى تقف خلف هذه الإعلانات.
ولعل هذا الدور جاء بسبب غياب كيان حكومى يختص بالإعلام «وزارة إعلام مثلا».
وأعتقد أيضا أن هذه الجهات لمست بنفسها حجم المسافة بين الدولة والمواطن.
والبعد بينهما أمر محبط للطرفين، فالمسؤول فى وظيفة عامة أصبح الأمر شاقا جدا بالنسبة له، فهو لن يرضى أحدا مهما فعل، ومطلوب من أسرته أن تسمع نقده ليل نهار، وأيضا المواطن المصرى عاوز التأمين الصحى اللى فى سويسرا، والأمن اللى فى دبى، وحقوق الإنسان اللى فى أمريكا، وكل ده فى وقت واحد وبسرعة، وهو لسه بيرمى الزبالة فى الشارع وبيبنى بدون ترخيص وبيدفع رشوة علشان يجدد رخصة العربية، وده سلو بلدنا وولادنا وإحنا عارفينه.
المهم..
لفت نظرى كثيرا الإعلان الذى تنتجه واحدة من الجهات الرقابية المحترمة الذى يتبنى حق المواطن فى المعرفة، ويقر واقعا أليما فى مصر بين اثنين دائما ما نراهم فى مجتمعنا المطبلاتى والمقللاتى.
ودى حقيقة، فى ناس فى بلدنا كل هدفهم إنهم يقولوا آمين، ودون أدنى تفكير.. ولو رئيس الحكومة لبس كراڤت بيضاء هايعملوها موضة بعد يومين، ممكن يكون ذوق رئيس الوزراء خلاه يلبس الكراڤت البيضاء، لكن إيه ذنبنا إحنا؟ وليه بقى جزء من الشعب مصمم يخليها موضة! ليس اقتناعا باللون ولكن نفاقا لرئيس الوزراء.
وعلى الجانب الآخر تجد المقللاتى، اللى بيشوف رئيس الوزراء بيشتغل وبينتج وعدد ساعات عمله كثيرة وبيحارب الفساد بجد، لكن الكلام ده مش ممكن يعجبه أبدا وتلاقى صاحبنا المقللاتى ده ناقم على كل شىء ويتشكك فى كل شىء ورافض لكل شىء.
ولو هو من الشخصيات العامة هتلاقيه ماحدش بيعزمه أو بيكلمه من المسؤولين، أو كان طمعان فى حاجة واترفضت، فقلب على الناحية التانية اللى كارهة كل حاجة.. ولو جالو تليفون صغير أو حسسوه إنه عبده المهم، هاتلاقيه رجع فى الصف تانى.
وطبعا فى فئة بعد دول، ودى فئة كارهة الرئيس ورئيس الحكومة والدولة وكارهة نفسها، فدول بقى لو حتى مصر فازت بكاس العالم هايقولك الأجوال ماعجبتناش، وخطة اللعب سيئة وهايرجعوا السبب على الرئيس نفسه مش على المدرب.
النماذج دى موجودة فى مجتمعنا، وكله بيشتم كله، المطبلاتى بيشتم المقللاتى، والتانى بيلعن الأولانى، ولو قبل الفطار بساعة حبيت تشوف السوشيال ميديا اعرف إن صيامك ممكن يروح بسبب الألفاظ اللى هاتقرأها، وافتكر إن ممكن ماتمسكش أعصابك وترد وتدخل أنت كمان فى نفس الدائرة.
وعندما انتبه البعض إلى وجود هذه الظاهرة قاموا بإنتاج هذا الإعلان الرائع بجد، الرائع فى مضمونه وفى إخراجه الفنى وفى الممثلين الذين أدوا الأدوار به.
صراع يومى بين اتنين عن حجم الإنجاز هل هو جيد مقبول اأم ضعيف؟
الإعلان يقول إنك لن تستطيع التقييم مادام ليس لديك المعلومات، كلام سليم، لكن أين المعلومات؟ وياترى اللى الدولة هاتعهد إليه بتقديم المعلومات للمواطنين هايكون مطبلاتى ولا مقللاتى؟ وطبعا أنت بس تقولى اسمه وأنا أقولك هو من أى ناحية.
وأى معلومات ستعطيها الدولة للمواطن؟ هل كل المعلومات؟ أم المعلومات التى تريده أن يعرفها فى الوقت الحالى فقط؟
المواطن وصل لمرحلة أن نائب البرلمان بيقول له الحكومة لا بتحضر جلسات المجلس، ولا بترد على كثير من الأمور التى يطلبها البرلمان نفسه!
طيب أنا راضى شهادة الجهة التى أنتجت هذا الإعلان إن كانت راضية عن الأداء الحكومى وعلاقة الجهات الحكومية بالمواطن؟
«وهى مش جهة حكومية بالمناسبة - دى جهة مستقلة»
لا الحكومة بتدى معلومات، ولا عندها طريقة صحيحة لتوصيل هذه المعلومات، والموضوع كله إن لو إعلامى أو صحفى له وزن والمتحدث الإعلامى أو المسؤول قلقان منه هايطلع له خبطتين تلاته، بلا منهج ولا مساواة.
أو كام إيميل يوصل للإعلاميين فيه المسؤول عمل إيه النهارده، وكل إعلامى بقى وبرنامجه أو جورناله شاف المجهود ده إزاى وهايوصلوا للناس بأى صورة.
وباختصار.. إذا كنا قد أقرينا حق المواطن فى المعرفة وهو الحق الذى لا يمنح، فعلينا أن نجد الآليات المناسبة التى تصل إلى المواطن دون وسيط يضفى عليها انطباعه، على الدولة أن تبحث عن قنوات اتصال بينها وبين المواطنين، سواء اللى ساكن فى القطامية أو اللى قاعد فى كفر أو فى عزبة، تخاطب الأول بلغته وتخاطب الثانى وفقا لمستوى ثقافته، لأنه باختصار دول الشعب اللى المفروض يتحمل القرارات ويساعد فيها.
إنما إذا استمرت الدولة فى اختيار الوسطاء لتوصيل الرسائل فستكون المحصلة تكوين مراكز قوى من هؤلاء الوسطاء، وستتفحش علاقتهم بالمسؤولين وسيصبحون نجوما بالنسبة للشعب يجب التقرب منهم، وستصل رسائل الدولة وفقا لهواهم، وفى الآخر الدولة هاتزهق منهم وتمشيهم.
لماذا لا يكون هناك مؤتمر صحفى كل شهر يذاع على الهواء يكون فيه رئيس الوزراء واقفا وبجواره الوزراء، وتوجه إليهم الأسئلة كى يعرف الرأى العام من المسؤول مباشرة؟
لماذا لا تصدر نشرات حكومية أو بيانات يتم توزيعها فى أماكن التجمع كالجامعات والأماكن الحكومية؟
إلى من يذهب المواطن الذى يبحث عن قوت يومه كى يعرف المعلومة؟
المواطن البسيط الدولة بالنسبة له هى أمين الشرطة، والراجل اللى بيبيع له تذكرة القطر علشان يسافر يقضى العيد مع أسرته، وموظف الاستقبال فى المستشفى العمومى اللى بيعالج فيها ابنه، وبتاع الحى اللى بيطلع عينه علشان يطلع له الرخصة، هايعرف إيه من دول!!
ويروح بالليل يشوف الكام برنامج اللى على الهوا اللى نصهم صوته عالى، وناس بتتخانق مع بعض ونص الكلام مش مفهوم بالنسبة له.
ياراجل ده حتى شيوخ الفتوى بيتخانقوا فى تفسير الدين، ولو معاك الريموت هتلاقى أزهرى بيقول رأى، ولو غيرت المحطة هتلاقى أزهرى تانى بيقول رأى تانى، ولو غيرت المحطة كمان مرة هتلاقى الأزهر نفسه بيتشتم.
الأيام الصعبة الحالية تحتاج فيها الدولة إلى المواطن بجوارها، المواطن الطبيعى لغير المحمل بمعتقدات أو ايديولوجيات، تحتاج صبره كى لا ينفذ، تحتاج عمله كى لا يقف، تحتاج رفع معنوياته كى تستطيع أن تكمل به للمستقبل، والأهم تحتاج ثقته.
المسؤول يقوم بعمله فى غرفة مغلقة.. ودون الكاميرا أو قلم الصحفى لن يستطيع أن يصل هذا العمل إلى المواطن، لكن أى كاميرا؟ ومن يملكها؟ وأى قلم؟ ومن يملأه بالحبر كى لا يجف؟
الحاجة الأخيرة.. هو إبراهيم عيسى كان عارف الإعلان ده بيتكلم عن إيه؟ طيب وهو إيه تقييمه لما يتمتع به المواطن من حقوق المعرفة؟
طب وهما ليه اختاروا إبراهيم عيسى؟
الفوازير دى يمكن نلاقى إجابتها رمضان المقبل.. يدينا ويديكم طولة العمر.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة