أرسل الله- عز وجل- نبينا محمدًا- صلى الله عليه وسلم- رحمة للعالمين، فقال سبحانه: «وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ»، وعرف نبينا- صلى الله عليه وسلم- نفسه، فقال: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّمَا أَنَا رَحْمَةٌ مُهْدَاةٌ»، وأكد القرآن الكريم ذلك، فقال: «لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ».
فكتابه- صلى الله عليه وسلم- كتاب رحمة- حيث يقول الحق سبحانه: «وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآَنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ»، ودينه دين الرحمة والأمن والأمان والسلام للبشرية جمعاء، دين يرسخُ أسس التعايش السلمى بين البشر جميعًا، يحقنُ الدماءَ كل الدماء، ويحفظُ الأموال كل الأموال، على أسس إنسانيةٍ خالصةٍ دون تفرقة بين الناس على أساس الدين أو اللون أو الجنس أو العرق، فكل الأنفس حرام، وكل الأعراض مصانة، وكل الأموال محفوظة، وكل الأمانات مؤداةٌ لأهلها، وبلا أى استثناءات، وهذا نبينا- صلى الله عليه وسلم- عند هجرته إلى المدينة يترك على بن أبى طالب بمكة ليردَّ الأماناتِ إلى من آذوه وأخرجوه وجردوا كثيرًا من أصحابه من أموالهم وممتلكاتهم.
ويوم الطائفِ عندما سلطوا عليه عبيدهم وصبيانهم يرمونه بالحجارة حتى سال الدم من قدميه الشريفتين، وجاءه مَلَكُ الجبال يقول: « يَا مُحَمَّدُ إِنَّ اللَّهَ قَدْ سَمِعَ قَوْلَ قَوْمِكَ لَكَ وَأَنَا مَلْكُ الْجِبَالِ وَقَدْ بَعَثَنِىاللهُ إِلَيْكَ لِتَأْمُرَنِى بِأَمْرِكَ فإِنْ شِئْتَ أَنْ أُطْبِقَ عَلَيْهِمْ الْأَخْشَبَيْنِ» (وهما جبلان بمكة) فَقَالَ (صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ): «بَلْ أقول: اللهم اهدِ قومى فإنهم لا يعلمون، إنى لأَرْجُو أَنْ يُخْرِجَ اللَّهُ مِنْ أَصْلَابِهِمْ مَنْ يقول لا إله إلا الله» ولمّا قِيلَ له: ادْعُ عَلَى الْمُشْرِكِينَ قَالَ: «إِنِّى لَمْ أُبْعَثْ لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثْتُ رَحْمَةً»، (رواه مسلم).
فالإسلامُ دين رحمة وسلام للعالم كله، ولا يوجد فى الإسلام قتلٌ على المعتقد قط، فعندما رأى النبى- صلى الله عليه وسلم- امرأة كافرة مقتولة فى ساحة القتال، قال صلى الله عليه وسلم: «مَنْ قتلها؟ مَا كَانَتْ هَذِهِ لِتُقَاتِلَ» بما يؤكد أن القتل ليس مقابلًا للكفر، إنما يكون القتال لدفع العدوان، فلا إكراه فىالدين، ولا فظاظة فى القول، يقول الحق سبحانه لنبينا: «وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لَانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ فَاعْفُ عَنْهُمْ وَاسْتَغْفِرْ لَهُمْ وَشَاوِرْهُمْ فِى الْأَمْرِ فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ»، وعندما خاطب القرآن الكريم الكفار على لسان نبينا- صلى الله عليه وسلم- ولسان أصحابه قال: «وَإِنَّا أَوْ إِيَّاكُمْ لَعَلَى هُدًى أَوْ فِى ضَلَالٍ مُبِينٍ»، ولم يقل: نحن على هدى وأنتم فى ضلال مبين مع تحقق ضلالهم، بما يعرف لدى علماء البلاغة بأسلوب الإنصاف، فهذه ثقافتنا التى تنصف الآخر حتى فى القول.
لقد أمر الإسلام بالقول الحسن، فقال سبحانه: «وَقُولُوا لِلنَّاسِ حُسْنًا» للناس كل الناس، بل قولوا: التى هى أحسن، «وَقُلْ لِعِبَادِىيَقُولُوا الَّتِى هِيَ أَحْسَنُ»، وافعلوا التى أحسن، «وَلَا تَسْتَوِى الْحَسَنَةُ وَلَا السَّيِّئَةُ ادْفَعْ بِالَّتِى هِيَ أَحْسَنُ فَإِذَا الَّذِى بَيْنَكَ وَبَيْنَهُ عَدَاوَةٌ كَأَنَّهُ وَلِيٌّ حَمِيمٌ وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا الَّذِينَ صَبَرُوا وَمَا يُلَقَّاهَا إِلَّا ذُو حَظٍّ عَظِيمٍ»، هذا هو نبينا وهذه هىأخلاق من قال: «بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» (مسند البزار)، وإذا كان ديننا إنما هو دين الرحمة، وكتابنا كتاب الرحمة، ونبينا- صلى الله عليه وسلم- إنما هو نبى الرحمة، فما بالنا؟! وما الذىأصابنا؟! وما الذى وصل ببعض المحسوبين على ديننا إلى هذه القسوة؟! وما المخرج؟
لا شك أن عوامل كثيرة كانت وراء ذلك، منها سيطرة غير المتخصصين على الخطاب الدعوى واختطافهم له لفترات زمنية طويلة، واعتقاد بعضهم اعتقادًا خاطئًا أن زيادة التشدد زيادة فى التدين، فكل هذه المفاهيم الخاطئة قد صارت فى حاجة ملحة إلى تصويبها، مع التأكيد على أن الإسلام هو دين الرحمة والسماحة واليسر، فأهل العلم على أن الفقه هو التيسير بدليل، ولم يقل أحد ممن يعتد بعلمه فى القديم ولا فىالحديث إن الفقه هو التشدد، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى: «يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ»، ويقول عز وجل: « وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِى الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِى هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ»، ويقول سبحانه: «وَاعْلَمُوا أَنَّ فِيكُمْ رَسُولَ اللَّهِ لَوْ يُطِيعُكُمْ فِى كَثِيرٍ مِنَ الْأَمْرِ لَعَنِتُّمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ حَبَّبَ إِلَيْكُمُ الْإِيمَانَ وَزَيَّنَهُ فِىقُلُوبِكُمْ وَكَرَّهَ إِلَيْكُمُ الْكُفْرَ وَالْفُسُوقَ وَالْعِصْيَانَ أُولَئِكَ هُمُ الرَّاشِدُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَنِعْمَةً وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ «، وما خُيّرَ نبينا- صلى الله عليه وسلم- بين أمرين إلا اختار أيسرهما، ما لم يكن إثمًا أو قطيعة رحم، فإن كان إثمًا أو قطيعة رحم كان صلى الله عليه وسلم أبعد الناس عنه.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة