إفشاء السلام، ليس مجرد شعار، إنما هو قيمة إنسانية راقية، حرص ديننا الحنيف على ترسيخها، فعن سيدنا عبدالله بن سلام «رضى الله عنه»، يقول: لما قدم النبى «صلى الله عليه وسلم» المدينة، جئته فنظرت إليه، فعرفت أن وجهه ليس بوجه كذاب، فكان أول ما سمعت منه؛ «أَفْشُوا السَّلامَ، وَأَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَصِلُوا الأَرْحَامَ، وَصَلُّوا وَالنَّاسُ نِيَامٌ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ»، «جامع الترمذى».
ألا ترى هنا إلى حديث من وصفه ربه «عز وجل»، بأنه لا ينطق عن الهوى، وهو يجعل سبيل الدخول إلى جنته فى أربعة أمور، ثلاثة منها تتصل بالرقى فى المعاملة مع الخلق، وهى: إطعام الطعام، وإفشاء السلام، وصلة الأرحام، وواحدة فيما بين العبد وربه، وهى الصلاة بالليل والناس نيام، مع تقديم الثلاثة على هذه الواحدة، وما ذاك إلا لحرص الإسلام على العلاقات الإنسانية السوية، بل أبعد من هذا، يحثنا ديننا على إلقاء السلام على من عرفنا ومن لم نعرف، ويجعل شعار السلام وإلقاءه على الناس علامة الإيمان البارزة الساطعة، قال تعالى: «وَلاَ تَقُولُواْ لِمَنْ أَلْقَى إِلَيْكُمُ السَّلاَمَ لَسْتَ مُؤْمِناً»، «النساء: 94»، وحث على مبادلة التحية بأحسن منها أو ردها على أقل تقدير، حيث يقول الحق سبحانه: «وَإِذَا حُيِّيْتُم بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّواْ بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَى كُلِّ شَىءٍ حَسِيباً»، «النساء: 86».
وقد جعل الإسلام للسلام أسسا، تندرج جميعها تحت مظلة الرقى الإنسانى، بأن يسلّم الصغير على الكبير، والراكب على الماشى «المترجل»، والماشى على الجالس، والواحد على الجماعة، وقالوا: من حق الأخ على أخيه أنه إذا لقيه أن يسلم عليه، وأن يفسح له فى المجالس، بل حذر الإسلام تحذيرًا كبيرًا من الإعراض والتجاهل عن إلقاء السلام أو رده، فقال نبينا، «صلى الله عليه وسلم»: «لَا يَحِلُّ لِرَجُلٍ أَنْ يَهْجُرَ أَخَاهُ فَوْقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ، يَلْتَقِيَانِ فَيُعْرِضُ هَذَا وَيُعْرِضُ هَذَا، وَخَيْرُهُمَا الَّذِى يَبْدَأُ بِالسَّلَامِ»، «صحيح البخارى».
وقد سمى رب العزة نفسه فى أسمائه العلا التسعة والتسعين، السلام، فقال سبحانه: «هُوَ اللَّهُ الَّذِى لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ»، «الحشر: 23»، والجنة إنما هى دار السلام، قال تعالى: «لَهُمْ دَارُ السَّلاَمِ عِندَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُواْ يَعْمَلُونَ»، «الأنعام: 127»، وتحية المؤمنين فيها السلام، يقول الحق سبحانه: «وَتَحِيَّتُهُمْ فِيهَا سَلاَمٌ وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ»، «يونس: 10»، وتحية المؤمنين عند لقاء ربهم السلام، يقول سبحانه: «تَحِيَّتُهُمْ يَوْمَ يَلْقَوْنَهُ سَلامٌ وَأَعَدَّ لَهُمْ أَجْراً كَرِيماً»، «الأحزاب: 44»، « وَالمَلاَئِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِم مِّن كُلِّ بَابٍ سَلاَمٌ عَلَيْكُم بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ»، «الرعد: 24».
إذن فإفشاء السلام قيمة، ومنهج حياة، وسبيل نجاة، على أن يكون سلامًا حقيقيًا لا شكليًّا، وأن يستحضر من يلقى السلام قيم السلام، وأن يكون الإنسان سلامًا حتى مع الحيوان والجماد ومع الكون كله، فلا يقطع شجرًا، ولا يحرق زرعًا، ولا يخرب عامرًا، ولا يهدم بنيانًا، ولا يؤذى طائرًا أو بهيمة أو إنسانًا، بل يكون سلمًا وسلامًا مع نفسه ومع الكون كله، حيث يقول الحق سبحانه: «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ ادْخُلُواْ فِى السِّلْمِ كَافَّةً وَلاَ تَتَّبِعُواْ خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُّبِينٌ»، «التوبة: 208».
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة