أحضرت المحكمة أمامها المدعو سليمان الحلبى المتهم بقتل كليبر نائب نابليون بونابرت فى قيادة الحملة الفرنسية على مصر والشام (1798-1801 )، يوم 15 يونيو (مثل هذا اليوم ) من العام 1800، لإعادة استجوابه فى عملية قتله لـ «كليبر» التى نفذها يوم 14 يونيو 1800 ، وتم التحقيق معه فور عملية القبض عليه فى نفس يوم ارتكابه للجريمة.
كان «كليبر» وقت مقتله، قائدا للحملة بعد عودة «بونابرت» إلى فرنسا، وكان «الحلبى» شابا يبلغ من العمر 24 سنة، ووفقا لـ «عبدالرحمن الرافعى» فى الجزء الثاني من كتابه «تاريخ الحركة القومية وتطور نظام الحكم فى مصر» (دار المعارف – القاهرة ) هو «طالب علم من حلب عمره أربع وعشرون سنة، أبوه تاجر من حلب اسمه الحاج محمد أمين وغادر بلدته سوريا وذهب إلى بيت المقدس ثم حضر إلى القاهرة خصيصا لقتل الجنرال كليبر وقضي بها واحد وثلاثين يوما»، ويذكر «الجبرتى» فى «عجائب الآثار فى التراجم والأخبار» (الجزء الخامس – مكتبة الأسرة – الهيئة المصرية العامة للكتاب – القاهرة ) واقعة الاغتيال، قائلا ، إن «كليبر» كان يسير مع كبير المهندسين داخل البستان فى داره بالأزبكية، فدخل عليه شخص حلبى وقصده، فأشار إليه بالرجوع، وقال له: «مافيش»، وكررها ، فلم يرجع وأوهمه أن له حاجة وهو مضطر فى قضائها، فلما دنا منه مد إليه يده اليسرى وكأنه يريد تقبيل يده، فمد إليه الآخر يده، فقبض عليه وضربه بخنجر كان أعده فى يده اليمنى أربع ضربات متوالية، فشق بطنه وسقط إلى الأرض صارخا.
ضرب القاتل ضربته وهرب، وفتشوا عنه حتى «وجدوه منزويا فى البستان المجاور لبيت كليبر بجانب حائط مهدوم» ، ويقول الجبرتى: «وجدوه حلبيا واسمه سليمان، فسألوه عن معارفه ورفقائه، وهل أخبر أحدا بفعله، وهل شاركه أحد فى رأيه، وأقره على فعله أو نهاه عن ذلك، وكم له بمصر من الأيام والشهور وعن صنعته؟ وعاقبوه حتى أخبرهم بحقيقة الحال.
تولى الجنرال «مينو» قيادة الحملة خلفا لكليبر، وحسب «الرافعى»: «أصدر يوم 15 يونيو منشورا عسكريا للجيش ينعى إليه الجنرال كليبر، وينوه بخدماته العسكرية والإدارية ويبلغ الجنود أنه بحكم أقدميته قد تولى قيادة الجيش بصفة مؤقتة، وأصدر «مينو» فى اليوم نفسه أمرا بتأليف محكمة عسكرية لمحاكمة قتلة كليبر، وتكونت هيئة المحكمة من تسعة من كبار رجال الجيش ويذكر «محمد صبيح» فى الجزء الثانى من كتابه «مواقف حاسمة فى تاريخ القومية العربية» ويأتى فيه بـ «المحضر الرسمى للتحقيق مع سليمان الحلبى»، وفيه أنه فى يوم «15 يونيو» عام 1800 (اليوم التالى للاغتيال ) أعيد استجواب «الحلبى» فقال إنه قدم إلى مصر على ظهر جمل ضمن قافلة محملة بالصابون والدخان، وأن تلك القافلة مخافة الحضور مباشرة إلى القاهرة ذهبت من فورها إلى بلدة العياط، ومن هناك ركب حمارا للحضور إلى القاهرة، وأستأجر ذلك الحمار من فلاح لا يعرفه، وأنه كلف بقتل الجنرال كليبر من أحمد أغا ويس أغا من الانكشارية (العثمانية) بمدينة حلب، وأن هذين الأغاوين حذراه من الافضاء بمشروعه إلى أى إنسان لعظم ماله من الدقة، وأوفد لهذه المأمورية لأنه يعرف القاهرة معرفة جيدة إذ سبق له أن أقام بها ثلاث سنوات، وقيل له أن يذهب إلى الجامع الكبير ويحتاط لنفسه من حيث الوقت وكيفية العمل حتى لا يخطئ قتل الجنرال، وعن ظروف تكليف الأغاوين له قال، إنه قابل أحمد أغا فى القدس ليشكو إليه اضطهاد أبيه الحاج محمد أمين تاجر الزبد فى مدينة حلب من حاكمها «إبراهيم باشا»، فقال له أنه سيساعده إذا قبل أن يتعهد بقتل قائد الجيش الفرنسى ، ولما قبل سليمان أحاله «أحمد أغا» إلى يس أغا فى غزة، فأعطاه أربعين قرشا تركيا وزوده بالتعليمات، وبدأ رحلته التى استغرقت ستة أيام للوصول إلى مصر.
وأضاف «الحلبى» أنه بالرغم من التشديد عليه بألا يكشف بسره إلى أحد، إلا أنه أفضى بمهمته إلى أربعة شيوخ هم، محمد الغزى، وأحمد الوالى، وعبدالله الغزى، وعبدالقادر الغزى، لأنه بدون ذلك كان لا يستطيع الحصول على قبولهم إضافته بالجامع، وقد كلمهم فى ذلك يوما، فنهوه عنه قائلين له إن هذا أمر مستحيل التنفيذ، وقال إنه لم يطلب إليهم مساعدته لأنهم أجبن من أن يفعلوا ذلك، وقال، إن الأفندى الذى يدرس عنده ويدعى «مصطفى أفندى» وكان يذهب إليه عادة فى يومى الاثنين والخميس، ولكنه لم يجرؤ على الإفضاء إليه بمشروعه حتى لا يفشى سره.
سئل «الحلبى» عن الخنجر الذى استخدمه، وهل هو الوحيد الذى كلف بهذه المأمورية، وما هى الطريقة التى كان سيعرف بها «الأغاوان» مقتل كليبر؟ وأجاب على كل ذلك، ثم وقع على أقواله أمام المحكمة التى واصلت أعمالها بمناقشة الذين تحدث عن «سليمان» والشهود الذين رأوا الحادث، وواصلت المحكمة جلساتها يوم الاثنين 16 يونيو 1800.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة