مهمة إصلاح وتطوير التعليم الجامعى الحالى فى مصر هى أول وآخر الخيط الذى يجب أن نمسك به بقوة، وأن نعتصم بحبله جميعاً، حتى ينجو هذا الوطن من «الدايلاما» التى يعيشها تعليمه منذ فترة ليست بالقصيرة.. أفكارنا محبوسة فى قماقم متحجرة منذ زمن بعيد، وخطواتنا مقيدة بسلاسل الرغبة فى بقاء الأوضاع على ما هى عليه، وعدم التغيير إلا فى حدود غير ذات دلالة.. وألمح فى إشارات الدكتور خالد عبدالغفار، وزير التعليم العالى والبحث العلمى شعاع ليزر يخترق الحجب، ويحيى آمالاً كباراً لدى المهتمين بالبحث العلمى.. وأكاد أحس لديه رغبة عارمة فى تغيير ما كان مألوفاً وجامداً، وتطوير ما حسبناه أصبح راكداً بالضرورة وإلى الأبد.. وهذه الرغبة تجعله يرهف السمع إلى كل اقتراح بناء وكل فكرة من شأنها التطوير والإنماء، وهو ما لمسته من خلال اللقاء المباشر معه فى أكثر من مرة.
ولعل هذا الإطار الإيجابى هو ما يدفعنا إلى تأييد فكرة إجراء اختبارات قدرات عامة قبلية قبل الالتحاق بالكليات المختلفة.. التنسيق ثبت أنه ليس المعيار الوحيد الذى نطمئن إليه فى توزيع القدرات.. قطاع الدراسات الإعلامية بالمجلس الأعلى للجامعات الذى أتشرف برئاسته، كان له السبق والمبادرة فى هذا الاتجاه.. لا دخول لكليات الإعلام وأقسامه إلا بامتحان قدرات، توضح احتمالية نجاح هذا الطالب أو ذاك وقدرته على الوفاء بمتطلبات المهنة الشاقة.. هذه التجربة يجب تعميمها فى كثير من الكليات التى لا تحتاج فقط إلى «الحفظ» وإلى الطلبة الدحيحة بدون تفكير أو إبداع.. مشكلتنا فى الحفظ، وغياب التفكير النقدى.
كثير من مشكلاتنا الحالية فى كثير من المهن، ومنها الإعلام، راجعة إلى سوء التأهيل.. وإلى سوء الاختيار والتوزيع.. نحتاج إلى ثورة فى طرق التأهيل العلمى المهنى، وإلى هزة شاملة فى طرق التوزيع واختيار الطلاب.
فى كثير من دول العالم، الشهادات الجامعية مثل أى منتج لها فترة صلاحية، وبعدها تصبح منتهية فى حاجة إلى تجديد.. العلوم تتغير كليةً فى الوقت الحالى كل خمس سنوات مرة على الأقل.. العلوم الأبدية لم تعد موجودة.. والمعلومات التى لا تتغير لم تعد قائمة.. كل صاحب شهادة لابد من تجديد معلوماته، ومن تجديد رخصة المهنة من خلال الدورات «الفعلية» والحقيقية المستمرة التى تساعده على سد الفجوة بين ما لديه وما استجد فى التخصص الذى يمتهنه.
كثير من مجالات العمل فى مصر تحتاج إلى تأهيل من نوع خاص.. التمريض على سبيل المثال يحتاج إلى ثورة شاملة تستطيع معه أن تلبى الاحتاجات المتطورة لسوق العمل فى مصر والدول العربية.. كثير من المهن تحتاج إلى تدريب حقيقى، وإلى نوعية خاصة من التأهيل.. مستوى الخريجين فى مصر يحتاج إلى وقفة حقيقية وصادقة مع النفس.
منذ أكثر من شهر، شرفنا الدكتور خالد عبدالغفار وزير التعليم بحضور مؤتمر تطوير الدراسات العليا فى مجال قطاع الإعلام، ولم يكن حضوره شرفياً، بل كانت مشاركة إيجابية: نقاشاً وتفاعلاً وإنصاتاً ورغبة فى التقاط خيط التطوير والتمسك به بقوة.. وهو ما جعلنا نشعر أننا على الطريق الصحيح، وأن عبدالغفار يعرف ما يريد تحديداً.. لقد أحيا لدينا آمالا كبار فى أن التعليم الجامعى فى مصر على النحو الذى نتمناه.. وأثق أن كثيراً من آمالنا الكبار سوف تتحقق مع عبدالغفار.
تم أضافة تعليقك سوف يظهر بعد المراجعة